للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو شَهِدَ أَجْنَبيَّانِ أنه نَجَّزَ عِتْقَ غَانِمٍ في المَرَضِ، ووارثان أنه نَجَّزَ عِتْقَ سالمٍ، وكل واحد مهما ثُلُث المال فَيُنْظَرْ إن كذب الوَارِثَانِ الأجْنَبيَّيْنِ وقالا: لم يعتق غَانِماً، وإنما أَعْتَقَ سالماً، فَيُعْتَقُ العبْدَانِ جميعاً.

أما غَانِمٌ فَبِشَهَادَةِ الأجنبيين، وأما سالم فبشهادة (١) الوارثين أن العَتِيقَ سَالِمٌ دون غَانِمٍ. فإن لم يكونا جائزين عتق منه حِصَّتُهُمَا، واستدرك بعض المتأخرين فقال: قياس ما سَبَقَ ألا يُعْتَقَ من سَالِمٍ إلا قَدْرُ ما يحتمله ثُلُثُ الباقي من المَالِ بعد غَانِمٍ (٢)، وكأن غَانِماً غُصِبَ من التركة. وهذا جيد.

وإن لم يكذباهما، بل قالا: أَعْتَقَ سَالِماً، ولا ندري هل أَعْتَقَ غَانِماً أم لا؟ فإن كان الوَارِثَانِ عَدْلَيْنِ، فالحكم كما ذَكَرْنَا فيما إذا كان شُهُودُ العَبْدَيْنِ معاً أَجَانِبَ. وإن كانا فَاسِقَيْن، فَيُعْتَقُ غَانِمٌ بشهادة الشهود، وأما سَالِمٌ، فقد ذكر الشيخ أبو حَامِدٍ، وتابعه كَثِيرٌ من الأَصحاب -رحمهم الله-: أنه يُعْتَقُ منه نِصْفُهُ إذا فَرَّعْنَا أنه يُعْتَقُ من كل واحد نِصْفُهُ لو كانا عَدْلَيْنِ؛ لأن الوارثين معترفان في ضمن الشهادة باسْتِحْقَاقِهِ عتق النصف، فَلَزِمَهُمَا ما اعْتَرَفَا به.

وقال ابن الصَّبَّاغ: هذا سَهْوٌ؛ لأن غَانِماً أيضاً لا يَسْتَحِقُّ بقَوْلِ الوَارِثينَ إلا عِتْقَ النصف. وقد حكمنا (٣) بِعِتْقِ جميعه فنصفه كالمَغْصُوبِ، أو الهَالِكِ في حَقِّ الوَرَثَةِ، ونِصْفُهُ سدس التركة فينبغي أن يُعْتَقَ عَبْدٌ إلا سُدُسَ عَبْدٍ. وقد أَعْتَقْنَا نِصْفَ عَبْدٍ، فيبقى ثلث عبد بلا مَزِيدٍ. لكن العبدين سَوَاءٌ في اسْتِحْقَاقِ العتق، فلا يَجُوزُ أن يُعْتَقَ من أحدهما أَكْثَرُ مما يُعْتَقُ من الآخر. ويَلْزَمُ من ذلك أن ينقص ما عتق من الأول عن النِّصْفِ، وأن يزيد ما يعتق من الثَّانِي على الثُّلُثِ.

وسنبين (٤) ذلك بأن يُقَالَ: عتق من الأول شَيْءٌ، والباقي مَغْصُوبٌ. وعُتِقَ من الثاني شَيْءٌ، والباقي لِلْوَرَثَةِ مع الثلث الكَامِلِ من التَّرِكَةِ. فمعهم إذن ثُلُثَانِ سِوَى شَيْءٍ.


(١) في ز: فبإقرار.
(٢) هذا الاستدراك الذي لم يبين قائله هو لصاحب الكافي، كذا رأيته فيه وعبارته "وإن كذب الوارثان الأجنبيين وقالا لم يعتق سالماً، وإنما أعتق غانماً عتق العبدان الأول بشهادة الأجنبيين، والثاني: بإقرار الوارثين إذا كانا يرثان جميع المال، فإن كان معهما وارث آخر عتق من الثاني بقدر حصتهما؛ لأن تكذيبهما لا يبطل شهادة الأجنبيين، ويزعمهما أن الثاني حر لأن الأول رقيق. هذا قول عامة الأصحاب وقياس مذهبنا أن يعتق الأول بشهادة الأجنبيين ومن الثاني بقدر ما يخرج من ثلث الباقي ويجعل العبد الأول كالهالك أو المغصوب من التركة في حقهما، هذا إذا لم يكن معهما وارث فإن كان يعتق من الثاني بقدر ما يخرج من الثلث من نصيبهما. انتهى.
(٣) في ز: حكماً.
(٤) في ز: سببين.

<<  <  ج: ص:  >  >>