للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صاحب "المهذب" وآخرون الجديد على القياس، وحكى الحناطي وغيره وجهاً أنهما سواء (١).

واعلم أن ما نقلناه يقتضي تردد قوله في وجوب هذا الغسل في القديم؛ لأنه لو جزم بوجوبه في القديم لما انتظم منه القول بأن غسل الجمعة آكد منه.

ومنها: غسل الكافر إذا أسلم، ولا يخلو إما أن يعرض له في الكفر ما يجب الغسل، من حيض أو جنابة، أو لا يعرض، فإن عرض ذلك فيلزمه الغسل بعد الإسلام، ولا عبره باغتساله في الكفر على الأصح كما سبق في موضعه، وإن لم يعرض له ذلك فيستحب له الغسل ولا يجب خلافاً لأحمد حيث أوجبه، وبه قال ابن المنذر.

لنا: "أنه أسلم خلق كثيرٌ ولم يأمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالاغتسال وَأَمَرَ بِهِ ثُمَامَةَ الْحَنَفِيِّ، وَقَيْسَ بنَ عَاصِم لَمَّا أَسْلَمَا" (٢) فدل أنه مستحب لا واجب، ثم يغتسل بعد الإسلام أم قبله؟ فيه وجهان:

أحدهما: قبله تنظيفاً للإسلام وتعظيماً له (٣).

وأصحهما: بعه؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمرهما بالغُسْلِ بعد الإسلام، ولا سبيل إلى تأخير الإسْلاَم بحال.

ومنها: الغسل للإفاقة من زوال العقل، ظاهر المذهب أنه مستحب؛ لأنه قد قيل: إن من زال عقله أنزل فإذا أفاق اغتسل احتياطاً، ولا يجب، لأن الأصل استصحاب الطهارة السَّابقة، والناقض غير معلوم، ونقل القاضي ابْنِ كجٍّ عن ابن أبي هريرة أنه يجب الغسل على من أفاق من المجنون دون الإغماء، وحَكَى الحناطي في وجوب الغسل على من أفاق منهما جميعاً وجهين، ووجه الوجوب التشبيه بالنَّوم من جهة أن (٤) النائم قد يخرج منه حدث وهو لا يدري، فجعل النَّوم حدثاً، كذلك من زَالَ عقله قد


(١) قال في زياداته: الصواب الجزم بترجيح غسل الجمعة لكثرة الأخبار الصحيحة فيه، وفيها الحث العظيم عليه كقوله -صلى الله عليه وسلم-: غسل الجمعة واجب، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: مَنْ جاء منكم إلى الجمعة فليغتسل، ثم من فوائد الخلاف لو حضر إنسان معه ماء، يدفعه لأحوج الناس، وهناك رجلان أحدهما يريده لغسل الجمعة، والآخر للغسل من غسل الميت (بتصرف) الروضة (١/ ٥٤٧).
(٢) أخرجه أبو داود (٣٥٥) والترمذي وحسنه (٦٠٥) والنسائي (١/ ١٠٩) وابن خزيمة (٢٥٤، ٢٥٥) وأحمد في المسند (٥/ ٦١) وابن حبان (١٢٢٨) وحديث تمامه البخاري (٤٦٢) (٤٦٩) ومسلم (١٧٦) وأبو داود (٢٦٧٩) وابن خزيمة (٢٥٢).
(٣) قال النووي: هذا الوجه غلط صريح، والعجب ممن حكاه، فكيف بمن قاله، فكيف يؤمر بالبقاء على الكفر، ليفعل غسلاً لا يصح منه. الروضة (١/ ٥٤٩).
(٤) سقط في "ط".

<<  <  ج: ص:  >  >>