يبعد أن يقدر فيه تردد، فإن قول من قال يخلص الدُّعاء للميت في الثالثة، ينافي اسْتِحْبَاب هذا الدُّعاء والله أعلم.
وقوله:"ولم يتعرض الشافعي -رضي الله عنه- لذكر بين التكبيرة الرابعة والسلام"، أراد في "المختصر" وعامة كتبه لا على الإطلاق فإن البُويطِيِّ روى عنه أن يقول بينهما: "اللَّهم لا تَحْرمنا أجره ولا تفتنَّا بعده". هكذا نقل الجمهور، ونقل الصَّيدلاني عن روايته أن يقول:"اللَّهم اغفر لحيِّنا وميتنا".
وحكى قوم: منهم صاحب "التهذيب" الذكر المشهور عن البويطي نفسه، فإن كان كذلك أمكن إِجْرَاء قوله:"ولم يتعرض الشَّافعي -رضي الله عنه-" على إطلاقه، وكيف ما كان فالذكر بينهما ليس بواجب، والظاهر استحبابه، وفي "الكافي" للروياني وجه آخر: أنه لا اسْتِحْبَاب، وإنَّما هو بالخيار بين أن يذكره أو يدعه ويسلم عقيب التكبيرة، وهكذا كان يفعل الإمام محمد بن يحيى -قدس الله روحه- فيما حكاه والدي -رحمه الله- وفي كيفية السَّلام من صلاة الجَنَازة قولان:
أصحهما: أن الأولى أن يسلّم تسليمتين:
إحداهما: عن يمينه، والأخرى: عن شماله، على ما ذكرنا في سائر الصَّلَوات.
والثاني: قاله في "الإملاء" يَقتصر على تسليمة واحدة؛ لأن مبنى هذه الصلاة على التَّخفيف خوفاً من التَّغيرات التي عساها تحدث في الميت، وعلى هذا فالمنصوص أنه يبدأ بها ملتفتاً إلى يمينه، ويختمها ملتفتاً إلى يساره، فيدير وجهه وهو فيها. ومنهم من قال: يأتي بها تِلْقَاء وَجْهِه من غير الْتفات. قال إمام الحرمين: ولا شكَّ أن هذا التردُّد يجري في جميع الصلوات، إذا رأينا الاقْتِصَار على تسليمة واحدة، واختلفوا في أن القولين في أنَّ الأولى تسليمة أو تسليمتان؟ هما القولان المذكوران من قبل في سائر الصلوات أم لا؟ فقال قوم: هما هما.
وقال آخرون: لا، بل هما مُرَتبان على القولين في سائر الصَّلوات إن قلنا: يقتصر فيها على تسليمة واحدة فهاهنا أولى، وإن قلنا: يسلم تسليمتين فهاهنا قولان، وهذا أصح؛ لأن قول الاقْتِصَار في سائر الصَّلَوَاتِ لم ينقل إلاَّ عن القديم، وهو منقول هاهنا عن "الإملاء"، وأنه محسوب من الجديد؛ ولأنهم وجَّهوه ببناء هذه الصَّلاة على التَّخفيف، وهذا لا يجيء في سائر الصلوات ويقتضي الترتيب. وقد صرح لفظ "المختصر" بتكرير السلام في سائر الصلَّوات. وقال هاهنا: ثم يسلم عن يمينه وعن شماله.
وهذا القدر يحتمل القولين جميعاً، وعلى قول الاقْتِصَار على التَّسْليمة واحدة هل