بعض الناس يظن أن الصيام كبت وحرمان، ولكني أقول لهم: إن الهدف من الصيام ليس الكبت والحرمان، وإنما الصيام وسيلة إلى غاية نبيلة، إنه التدريب على السيادة والقيادة، قيادة النفس وضبط زمامها، وكلها عن أهوائها ونزواتها، بل إنه التسامي بتلك القيادة إلى أعلى مراتبها، فلقد كنت في بحبوحة الإفطار إنما تحمي جوفك عن تناول السحت والخبيث، فأصبحت في حظيرة الصيام تفطمه حتى عن الحلال الطيب.
ولقد كنتَ بالأمس تكف لسانك عن الشتم والإيذاء، فأصبحت اليوم تصونه حتى عن رد الإساءة وعن إجابة التحريش والاستفزاز، فإن خاصمك أحد أو شاتمك، لم تزد على أن تقول: إني صائم، هكذا ملكت بالصيام زمامي شهوتك وغضبك.
وإنه لصبر يجر إلى صبر، ونصر يقول إلى نصر، فلئن كان الصيام قد علمك أن تصبر اليوم طائعًا مختارًا في وقت الأمن والرخاء، فأنت غدًا أقدرُ على الصبر والمصابرة في البأساء والضراء وحين البأس، ولئن كان الصيام قد علمك كيف تنتصر اليوم على نفسك، فلقد أصبحت به أجدر أن تنتصر غدًا على عدوك، وتلك عاقبة التقوى، التي أراد الله أن يرشحك لها بالصيام.
إن هذا الهدف الذي صورناه وحددناه، إنما يقوم في منتصف الطريق الذي رسمه الله للصائمين، وإن في نهاية هذا الطريق هدفًا آخر، بل أهدافًا أخرى أهم وأعظم.
وفي الحق أنه لو كان كل ما يطلب من الصائم هو أن يكف نفسه عن شهواتها وانفعالاتها، ولم يكن أمامه عمل إيجابي جديد يسد به هذا الفراغ، إذًا لكانت تجربة الصيام انتقاصًا للطاقة العاملة من ناحية، دون إمداد لها من ناحية