وكان ضعيفاً؟ ولو اجتمع أهل الأرض على أن ينفعوك لم ينفعوك إلاّ بشيء قد كتبه الله لك، ولو أجمعوا على أن يضرّوك بشيء لم يضرّوك إلاّ بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام وجفّت الصحف.
فإذا لم يكن لك كل ما تريد، فلماذا لا تريد كل ما يكون فتستريح وتريح؟ وهذه هي نعمة الإيمان بالقدَر. وليس معنى الإيمان أن تستلقي على ظهرك وتنتظر أن ينزل عليك رزقك من السقف، فإن السماء (كما قال عمر) لا تمطر ذهباً ولا فضة، بل أن تجِدّ وتسعى وتعمل للدنيا كأنك تعيش فيها أبداً، وأن تجمع المال من كل وجه حلال، وأن تضرب في آفاق الأرض وتأخذ بأسباب الرزق ولا تدّخر جهداً هو في طاقة البشر لا تبذله للغنى. فإن لم تصل -بعد ذلك كله- إلى ما طلبت فلا يدفعك اليأس إلى الانتحار ولا يُسْلمك الغم إلى المرض، بل تعزَّ وارْضَ، وقل: لقد عملت ما عليّ ولكن الله لم يكتب لي النجاح، وأنا راضٍ بقضاء الله.
هذه هي حقيقة الإيمان في دين الإسلام، ليست تسييباً وكسلاً كما يظنها العوام وأشباه العوام. وأنت تعرف قصة الرجل الذي ترك ناقته على باب المسجد ودخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما خرج لم يجدها فرجع فقال: يا رسول الله، ناقتي! تركتها وتوكلت على الله فضلّت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«قيِّدْها وتوكل على الله»(١).
(١) من الحديث الذي رواه الترمذي عن أنس؛ قال رجل: يا رسول الله، أعقلُها وأتوكل أو أطلقها وأتوكل؟ قال: «اعقلها وتوكل» (مجاهد).