ص: وقد روي عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - عليه السلام - ما قد بين ذلك أيضًا:
حدثنا أحمد بن داود، قال: نا مُسدّد، قال: أنا يحيي بن سعيد، عن زهير، قال: أخبرني أبو إسحاق، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن عبد الله بن مسعود قال:"كنت مع النبي - عليه السلام - فأتى الغائط فقال: ائتني بثلاتة أحجار فالتمست فلم أجد إلا حجرين وروثةً، فأخذ الحجرين، وألقى الروثة، وقال: إنها ركس".
حدثنا ابن أبي داود، قال: أنا زهير بن عباد، قال: نا يزيد بن عطاء، عن أبي إسحاق، عن علقمة والأسود، قالا: قال ابن مسعود ... فذكر نحوه.
ففى هذا الحديث ما يَدلُّ أنَّ النبي - عليه السلام - قعد للغائط في مكان ليس فيه أحجارٌ؛ لقوله لعبد الله ناوِلنيِ ثلاثة أحجار، ولو كان بحضرته شيء من ذلك لما احتاج إلى أن يناوله من غير ذلك امان، فلما أتاه عبد الله بحجرين وروثة، فألقى الروثة، وأخذ الحجرين، دلّ ذلك على استعماله الحجرين، وعلى أنه قد رأى أن الاستحجار لهما يجزى مما يجزى منه الاستجمار بالثلاث؛ لأنه لو كان لا يجزى للاستحجار بما دون الثلاث لما اكتفى بالحجرين، ولأمر عبد الله أن يَبْغِيه ثالثًا. ففي ذلك دليل على اكتفائه بالحجرين.
ش: أي قد رُوِيَ عن ابن مسعود، عن النبي - عليه السلام - ما قد بَيَّن ما قلنا من أن الأمر بالإيتار في الآثار المذكورة أمر ندب لا أمر وجوب، وذلك ظاهر لا يخفى.
حاصلة أن العَدَد لو كان شرطًا، لسأل النبي - عليه السلام - ابنَ مسعود ثالثًا؛ فحين اكتفى بالاثنين, ولم يسأل الثالث، علمنا أن المعتبى في هذا الباب الإنقاء دون العدد، ولا ينكر هذا إلا معاند.
ثم إنه أخرج حديث ابن مسعود من طريقين:
الأول: عن أحمد بن داود، عن مُسدّد، أحد مشايخ البخاري وغيره، عن يحيي بن سعيد القطان، عن زهُير بن معاوية بن حُديج الكوفي، أحد أصحاب