وقال ابن حزم في "المحلى": وممن قال: لا يجزئ بالعظام، ولا باليمين. الشافعي، وأبو سليمان، وغيرهما.
وفي "البدائع": فإن فعل ذلك، يعني الاستنجاء بالعظم أو الروث، يُعتدّ به عندنا، فيكون مقيما سنةً، ومرتكبًا كراهية. وعند الشافعي: لا يُعْتدُّ به حتى لا تجوزُ صلاته إذا لم يستنج بعد ذلك بالأحجار.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون؛ فقالوا: لم ينه عن الاستنجاء بالعظم؛ لأن الاستنجاء به ليس كالاستنجاء بالحجر وغيره، ولكنه نُهِيَ عن ذلك لأنه جُعِلَ زادًا للجن، فأمر بني آدم أن لا يُقذّروه عليهم.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون؛ وأراد بهم: أبا حنيفة وأصحابه، ومالكًا، وابن جرير الطبري.
قال القاضي: واختلفت الرواية عن مالك في كراهية هذا، يعني الاستنجاء بالعظم، والمشهور عنه النهي عن الاستنجاء به، على ما جاء في الحديث، وعنه أيضًا: إجازة ذلك، وقال: ما سمعت في ذلك بنهي عام.
وذهب بعض البغداديين إلى جواز ذلك إذا وقع بما كان، وهو قول أبي حنيفة، وذهب بعضهم إلى أنه لا يجوز، وإليه نحا ابن القصَّار، وهو قول الشافعي. وقال بعضهم: لا يجوز بما كان نجس العين، إليه نحا القاضي ابن نصر، وذكر في فروع الحنفيّة: قال أبو حنيفة: يجوز الاستنجاء بالمدر، والتراب، والعود، والخزف، والقطن، والجلد، وبكل طاهر غير منقوم. وكره بعض العلماء الاستنجاء بعشرة أشياء: العظم، والرجيع، والروث، والطعام، والفحم، والزجاج، والورق، والخزف، وورق الشجر، والسَّعْتر، ولو استنجى بها أجزأه مع الكراهة؛ لما رُوي:"أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان له عظم يستنجى به، ثم يتوضأ ويصلي." وقال عياض: وقد شذّ بعض الفقهاء، ولم ير الاستنجاء بالماء العذب، بِناءً على أنه طعام عنده، والاستنجاء بالطعام ممنوع.