للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخرجه عبد بن حميد في "مسنده" (١): أنا يزيد بن هارون، أبنا إسماعيل بن أبي خالد، عن الحارث بن شبيل، عن أبي عمرو الشيباني، عن زيد بن أرقم قال: "كان يكلم أحدنا صاحبه في الصلاة في الحاجة؛ حتى نزلت {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (٢) فأمرنا بالسكوت".

قوله: "حتى نزلت" مشعر بالتصريح على النسخ، وأن المراد بالقنوت: السكوت؛ لأن حتى للغاية والفاء التي في قوله: "فأمرنا" مشعر بتعليل ما سبق.

قوله: "حافظوا" أي واظبوا وداوموا.

قوله: "قانتين" نصب على الحال من الضمير الذي في "وَقُومُوا" من القنوت، وهو السكوت ها هنا، ويرد القنوت لمعاني كثيرة: للطاعة، والخشوع، والصلاة، والدعاء، والعبادة، والقيام، وطول القيام.

ويستفاد منه:

أن المصلي يحرم عليه الكلام في الصلاة، وأما ما لا يسمى كلامًا فمن أراد إلحاقه به كان ذلك بطريق القياس، وأجمع العلماء على أن الكلام في الصلاة عامدًا عالمًا بتحريمه لغير مصلحتها ولغير إنقاذ هالك وشبهه؛ مبطلٌ للصلاة.

وأما الكلام لمصلحتها فقال أبو حنيفة والشافعي ومالك وأحمد: يبطل الصلاة، وجوزه الأوزاعي وبعض أصحاب مالك وطائفة قليلة، واعتبر الشافعية ظهور حرفين وإن لم يكونا مُفْهِمَيْن، ثم السلام كالكلام عند أبي حنيفة، حتى إذا سُلِّم عليه وهو في الصلاة لا يرد بلفظ ولا بإشارة، وبه قال عطاء والنخعي والثوري، ولكن قالوا: يرده بعد السلام فإن ردّه بلسانه بطلت صلاته عند أبي حنيفة والشافعي ومالك وأحمد وأبي ثور، وهو مروي عن أبي ذرٍّ وعطاء والنخعي والثوري، وعن أبي حنيفة يرده في نفسه، وعند محمد بعد السلام، وقال أبو يوسف: لا في الحال ولا بعد الفراغ.


(١) "مسند عبد بن حميد" (١/ ١١٣ رقم ٢٦٠).
(٢) سورة البقرة، آية: [٢٣٨].

<<  <  ج: ص:  >  >>