للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لهم به استدلال، وعندي جواب آخر أحسن منه، وهو أن ابن مسعود إنما أكد كلامه بيمينه على أن دخول وقت الظهر من زوال الشمس عن كبد السماء، وليس يمينه على أن وقت الظهر هو الوقت الذي صلى فيه الظهر فقط؛ لأن وقت الظهر أكثر من الوقت الذي صلى هو فيه؛ لأنه ينتهي إلى أنه يصير ظل كل شيء مثله أو مثليه على الخلاف، فيكون معنى قوله: "هو وقت الظهر" أي هو وقت دخول الظهر، واستحقاقه، وليس فيه دلالة على استحباب ذلك الجزء من الوقت، فافهم.

ص: فإن احتج محتج في تعجيل الظهر بما قد حدثنا فهد، قال: ثنا ابن الأصبهاني، قال: ثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي حصين، عن سويد بن غفلة، قال: "سمع الحجاج أذانه بالظهر وهو في الجبَّانة، فأرسل إليه، فقال: ما هذه الصلاة؟ فقال: صليت مع أبي بكر، وعمر، وعثمان - رضي الله عنهم - حين زالت الشمس، قال: فصرفه، وقال: لا تؤذن ولا تؤم".

قيل له: ليس في هذا الحديث أن الوقت الذي رآهم فيه سويد كان في الصيف فقد يجوز أن يكون كان في الشتاء ويكون حكم الصيف عندهم بخلاف ذلك، والدليل على هذا: أن يزيد بن سنان قد حدثنا، قال: ثنا أبو بكر الحنفي، قال: ثنا عبد الله ابن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر، "أن عمر - رضي الله عنه - قال لأبي محذورة بمكة: كنت بأرض حارة شديدة الحرِّ فأبرد ثم أبرد بالأذان للصلاة".

قال أبو جعفر -رحمه الله-: أفلا ترى أن عمر - رضي الله عنه - قد أمر أبا محذورة في هذا الحديث بالإبراد لشدة الحرِّ؟ فأولى الأشياء بنا أن نحمل ما روى عنه سويد على غير خلاف ذلك، فيكون ذلك كان منه في وقت لا حرَّ فيه.

ش: وجه الاحتجاج: أن سويد بن غفلة أخبر أنه صلى مع أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - في أول الوقت، فدل على أن التعجيل هو السنة مطلقًا؛ لأنه لو لم يكن السنة لما فعل بها الخلفاء الثلاثة الراشدون.

وتقرير الجواب: أنه لا دليل فيه أن الوقت الذي رآهم سويد يصلون فيه كان في الصيف، فيحتمل أن يكون قد كان ذلك في الشتاء، بل هو المراد، والدليل عليه أن

<<  <  ج: ص:  >  >>