ش: قد ذكر فيما مضى أن حديث عبادة بيَّن فيه أنه - عليه السلام - أمر المأمومين بالقراءة خلفه بالفاتحة، وأن حديث أبي هريرة يضاده، وكذلك حديث آخرين من الصحابة كما ذكره مفصلًا، ثم لما اختلفت هذه الأحاديث في هذا الباب تعيَّن التماس حكمه من طريق النظر والقياس، ووجه ملخصًا: أن الرجل إذا أدرك الإِمام وهو راكع فإنه يكبر ويركع وتُغْني تلك الركعة عن القيام مع عدم القراءة فيه، ولكن يحتمل أن يكون جواز ذلك إما للضرورة، وإما لعدم وجوب القراءة خلف الإِمام، فاعتبرنا ذلك، فوجدنا الرجل إذا أدرك الإِمام وهو راكع، فركع قبل أن يدخل في الصلاة بتكبير حصل منه، أنه لا يجوز، وإن كان تركه القوم للضرورة -وهي خوف فوت الركعة- وعلم من ذلك أن لا بد له من قومة مطلقًا، ووجدنا القراءة مخالفة لهذا الحكم وساقطة في حال الضرورة، وصارت من خلاف جنس هذا، فالنظر على ذلك أن تكون القراءة ساقطة في غير حال الضرورة، فافهم.
ص: فإن قال قائل: فقد روي عن نفر من أصحاب النبي - عليه السلام - أنهم كانوا يقرءون خلف الإِمام ويأمرون بذلك، فذكروا ما قد حدثنا صالح بن عبد الرحمن الأنصاري، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا هشيم، قال: أنا أبو إسحاق الشيباني، عن جواب بن عبيد الله التيمي، قال: ثنا يزيد بن شريك أبو إبراهيم التيمي، قال:"سألت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عن القراءة خلف الإِمام، فقال لي: اقرأ، قلت: وإن كنت خلفك؟ قال: وإن كنت خلفي، قلت: وإن قرأت؟ قال: وإن قرأت".
حدثنا صالح، قال: ثنا سعيد، قال: ثنا هشيم، قال: أنا أبو بشر، عن مجاهد، قال:"سمعت عبد الله بن عمرو يقرأ خلف الإِمام في صلاة الظهر من سورة مريم".
حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا شعبة، عن حصين، قال: سمعت مجاهدًا يقول: "صليت مع عبد الله بن عمرو الظهر والعصر، فكان يقرأ خلف الإمام".