وأما أثر عبد الله بن الزبير بن العوام - رضي الله عنهما - فأخرجه بإسناد صحيح أيضًا، عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن سعيد بن الحكم بن محمَّد بن سالم المعروف بابن أبي مريم الجمحي المصري شيخ البخاري.
عن محمَّد بن مسلم بن سوسن الطائفي، روى له الجماعة البخاري مستشهدًا، عن عمرو بن دينار المكي روى له الجماعة.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(١): ثنا روح بن عبادة، عن زكرياء بن إسحاق، قال: حدثني عمرو بن دينار: "أن ابن الزبير - رضي الله عنهما - صلى بهم الصبح فلم يقنت".
ص: فهذا عبد الله بن مسعود لم يكن يقنت في دهره كله، وقد كان المسلمون في قتال عدوهم في كل ولاية عمر - رضي الله عنه -، أو في أكثرها، فلم يكن يقنت لذلك، وهذا أبو الدرداء ينكر القنوت، وابن الزبير لا يفعله، وقد كان محاربًا حينئذ لأنَّا لم نكن نعلم أم الناس إلا في وقت ما كان الأمر صار إليه.
فقد خالف هؤلاء عمر وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس - رضي الله عنهم - فيما ذهبوا إليه من القنوت في حال المحاربة بعد ثبوت زوال القنوت في حال عدم المحاربة، فلما اختلفوا في ذلك، وجب كشف ذلك من طريق النظر لنستخرج من المعنيين معنى صحيحًا، فكان ما قد روينا عنهم أنهم قنتّوا فيه من الصلوات لذلك الصبح والمغرب خلا ما روينا عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "أنه كان يقنت في صلاة العشاء" فإن ذلك يحتمل أيضًا أن تكون هي المغرب، ويحتمل أن تكون هي العشاء الآخرة، ولم نعلم عن أحد منهم أنه قنت في ظهر ولا عصر في حال حرب ولا غيره، فلما كانت هاتان الصلاتان لا قنوت فيهما في حال الحرب ولا في حال عدم الحرب، وكان الفجر والمغرب والعشاء لا قنوت فيهن في حال عدم الحرب؛ ثبت أن لا قنوت