فيهن في حال الحرب أيضًا، وقد رأينا الوتر فيها القنوت عند أكثر الفقهاء في سائر الدهر، وعند خاصٍّ منهم في ليلة النصف من شهر رمضان خاصة، فكانوا جميعًا إنما يقنتون لتلك الصلاة خاصة لا لحرب ولا لغيره.
فلما انتفى أن يكون القنوت فيما سواها يجب لعلة الصلاة خاصة، لا لعلة غيرها، انتفى أن تكون تجب لمعنى سوى ذلك.
فثبت بما ذكرنا أنه لا ينبغي القنوت في الفجر في حال حرب ولا غيره، قياسًا ونظرًا على ما ذكرنا من ذلك، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.
ش: ملخص هذا: أن هؤلاء الأربعة من الصحابة - رضي الله عنهم - لم يكونوا يقنتون في صلاة الصبح.
أما ابن مسعود فإنه لم يكن يقنت أصلًا في جميع دهره، والحال أن المسلمين كانوا في قتال عدوهم في كل ولايات عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أو في أكثرها، وذلك لأن أكثر البلاد فتحت في أيامه كالشام ومصر وأكثر العراق، ولم تزل عساكره تجول يمينا وشمالا, ولو كان ابن مسعود يرى القنوت في أيام الحرب لكان قنت، فحيث ترك أصلًا، دَلَّ على أن حكمه مرفوع.
وأما ابن عمر فكذلك لم يكن يفعله حترل روى ابن عبد البر عنه:"أنه كان يقول: القنوت في الفجر بدعة".
وأما أبو الدرداء فإنه أنكره بالكلية.
وأما ابن الزبير فإنه لم يكن يفعله، والحال أنه كان محاربا؛ لأنه لم يؤم الناس إلا حين صار الأمر إليه، وذلك حين ادعى الخلافة في مكة، وبويع له في جمادى الأول سنة أربع وستين بمكة، واستبد بأمرها، ثم انتشرف بيعته في الحجاز واليمن والعراق والمشرق والمغرب، وبعض بلاد الشام، وكانت أيامه تسع سنين وعشرة أيام، وقتل يوم الثلاثاء السابع عشر من جمادى الأولى أو الآخرة سنة ثلاث وسبعين، وعن مالك وغيره: أن مقتله كان على رأس ثنتين وسبعين، وكان سنه يوم قتل اثنتن وسبعين سنة.