الضرب والطعن عمل كثير، بل هو أقوى في الإفساد من ذاك، فكلما أجابوا عن ذلك فهو جوابنا عن ذاك.
وأما قوله:"وعلى قولهم: تطول الصلاة ... " إلى آخره، فغير مُسلَّم، بل تطويل الصلاة فيما ذكروه؛ لأن ثبات الإِمام قائمًا لأجل الطائفة الأولى لأن يتموا صلاتهم، وثباته جالسًا لأجل الطائفة الثانية ليتموا صلاتهم حتى يسلّم معهم مما يوجب التطويل، لكون الإِمام مقيدًا بالصلاة لأجل تكميل الطائفتين صلاتهم فيحتاج ذلك إلى زمن مديد، وفيما ذكرنا لا يلبث الإِمام في الصلاة إلا زمنًا يسيرًا فهذا أولى؛ لأن الإِمام هو الأصل في إعلام غيره بما يراه مما يخفى عليه من أمر العدو وتحذيره.
وأما قوله:"فإنه لا نظير له في الشرع" فباطل؛ لما قلنا: إن الراكب المنهزم يصلي وهو سائر، فكذلك الطائفة الأولى إذا فارقوا الإِمام وذهبوا إلى وجه العدو ويكونون سائرين فسيرهم لا يضر صلاتهم، وهم وإن فارقوا الإِمام ظاهرًا ولكنهم وراء الإِمام حكمًا لأنهم لاحقون، والله أعلم.
ص: فقيل لهم: إن هذا الحديث فيه زيادة أنهم قد قضوا وهم مأمومون قبل فراغ الإمام من الصلاة في حديث يزيد بن رومان، عن صالح بن خوّات.
وقد روينا من حديث شعبة، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن صالح بن خوّات خلافًا لذلك؛ لأن في حديث يزيد بن رومان أنه ثبت بعدما صلى الركعة الأولى قائمًا وأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا، ثم جاءت الأخرى بعد ذلك، وفي حديث شعبة، عن عبد الرحمن، عن أبيه، عن صالح بن خوات أنه صلى بطائفة منهم ركعة، ثم ذهب هؤلاء إلى مصافّ هؤلاء ولم يذكر أنهم صلّوا قبل أن ينصرفوا، فقد خالف القاسم يزيد بن رومان.
فإن كان هذا يؤخذ من طريق الإسناد فإن عبد الرحمن، عن أبيه القاسم، عن صالح بن خوات، عن سهل بن أبي حثمة، عن النبي - عليه السلام -، أحسن من يزيد بن رومان، عن صالح، عمن أخبره، فإن تكافئا تضادَّا، فإن تضادَّا لم يكن لأحد الخصمين في أحدهما حجة على خصمه؛ لأن لخصمه عليه مثل ما له على خصمه.