فإن قالوا: لا يلزم ذلك، فإنا قد نجد صورة في موضع يجوز فعلها مع أنه لا نظير لها في موضع من المواضع كتحويل الوجه عن القبلة فإنه يجوز ذلك في هذه الصلاة مع أنه لا يجوز في غيرها أصلًا، فلم تنكرون أن يكون قضاء المأموم صلاته قبل فراغ الإِمام كذلك يكون جائزًا في هذه الصلاة مع عدم جوازه في غيرها من الصلوات؟
والجواب عنه ما ذكره بقوله:"قيل لهم ... " إلى آخره، تقريره أن يقال: لا نسلّم اختصاص جواز تحويل الوجه عن القبلة بهذه الصلاة، بل قد أبيح ذلك في غير هذه الصلاة أيضًا لأجل العذر وذلك أنهم أجمعوا أن من كان منهزمًا فحضرت الصلاة أنه يصلي وإن كان على غير القبلة، فظهر من ذلك أن جميع الصلاة تُصلَّى إلى غير جهة القبلة لأجل العذر ولا يُفسد ذلك عليه صلاته، فإذا كان هذا لا يُفسد في جميع الصلاة ولا يضرّه ذلك ففي بعض الصلاة وهي صلاة الخوف بالطريق الأولى أن لا يفسدها ولا يضره ذلك، فلما وجدنا هذا الأصل وهو جواز الصلاة إلى غير جهة القبلة لأجل العذر مجمعًا عليه؛ عطفنا عليه ما اختلف فيه من استدبار القبلة في الانصراف لأجل العذر؛ لأنا قد ذكرنا أن علم ما اختلف فيه إنما يُلتَمس مما أجمع عليه، ولما لم نجد لما ذكروه -وهو قضاء المأموم صلاته قبل فراغ الإِمام- منها أصلًا أبطلنا العمل به ورجعنا إلى الأحاديث التي معها التواتر وشواهد الإجماع، وأراد بالتواتر التكاثر والتوارد، ولم يُردْ به التواتر المصطلح عليه في الأصول، وأراد بشواهد الإجماع: وجود الأصل الصحيح المجمع عليه ليقاس عليه المختلف فيه.
قوله:"يدل عليه" جملة وقعت صفة لقوله: "أصلًا" فأصلًا منصوب على أنه مفعول لقوله: "ولما لم نجد".
قوله:"فنَعْطِفَه" بنصب الفاء بتقدير "أن".
وقوله:"أبطلنا العمل به" جواب لقوله: "ولما لم نجد".
ص: وقد روي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلاف ذلك كله كما حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا أبو عبد الرحمن المقرئ، قال: ثنا حيوة وابن لهيعة، قالا: ثنا