للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال النووي: قال صاحب "المهذب": القول بالجمع أكثر في كلام الشافعي، وهو أيضًا أكثر في الأحاديث "الصحيحة" والجواب عن كل ما روي من ذلك فهو محمول على الجواز.

وقال المرغيناني: لو أخذ الماء بكفه وتمضمض ببعضه واستنشق بالباقي جاز، وعلي عكسه لا يجوز لصيرورة الماء مستعملًا، والجواب عما ورد في الحديث "فتمضمض واستنشق من كف واحد" أنه مجمل لأنه يحتمل أنه تمضمض واستنشق بكفٍ واحدٍ بماء واحدٍ، ويحتمل أنه فعل ذلك بكف واحد بمياه، والمحتمل لا تقوم به حجة، أو يُرَدُّ هذا المحتمل إلى المحكم الذي ذكرناه توفيقًا بين الدليلين، وقد يقال: إنَّ المراد: استعمال الكف الواحد بدون الاستعانة بالكفين كما في الوجه، وقد يقال؛ إنَّه فعلهما باليد اليمنى؛ ردَّا على قول من يقول يستعمل في الاستنشاق اليد اليسرى؛ لأن الأنف موضع الأذى كموضع الاستنجاء، كذا في "المبسوط".

وفيه نظر لا يخفى، وأما وجه الفصل بينهما كما هو مذهبنا:

فما رواه الطبراني (١). عن طلحة بن مصرف، عن أبيه، عن جدّه كعب بن عمرو اليامي: "أن رسول الله - عليه السلام - توضأ فمضمض ثلاثًا، واستنشق ثلاثًا، فأخذ لكل واحدة ماءً جديدًا".

وكذا روى عنه أبو داود في "سننه" (٢): وسكت عنه، وهو دليل رضاه بالصحة.

ثم اعلم أن السُنَّة أن تكون المضمضة والاستنشاق باليمني، وقال بعضهم: المضمضة باليمني والاستنشاق باليسار؛ لأن الفم مطهرة والأنف مقذرة، واليمين للأطهار، واليسار للأقذار، ولنا ما روي عن الحسن بن علي - رضي الله عنه -: "أنه استنثر بيمينه فقال له معاوية: جهلت السنة فقال: كيف أجهل والسُّنة من بيوتنا خرجت


(١) "المعجم الكبير" (١٩/ ١٨٠ رقم ٤٠٩).
(٢) "سنن أبي داود" (١/ ٣٤ رقم ١٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>