للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يخرج من مظالم العباد إلَّا بإرضاء الخصوم فهذه أيضًا ذنوب، وقد يقال: إنَّ المراد من الذنوب: الذنوب التي يقترفها ما بين الوضوئين من الصغائر والكبائر ما خلا مظالم العباد، كما ورد في حديث: "الصلاة إلى الصلاة كفارة ما بينهما" (١).

الثاني: أن قوله: "فإذا غسل رجليه" نص صريح أن وظيفة الرجلين الغسل، ولهذا قال في رواية مسلم: "مع الماء أو مع آخر قطر الماء" وإنما ذكر ذلك عند غسل الوجه وغسل اليدين وغسل الرجلين، ولم يذكر شيئا في مسح الرأس؛ لأنه غير الغسل، فإن قلت: ما معنى خروج الخطيئة عند الغسل، والخروج ونحوه مما يضاف إلى الأجسام؟

قلت: هذه استعارة؛ لأنه شبَّه الخطيئة بالوسخ والدرن الذي يتراكب على الجسم، ثم أثبت له على طريق الترشيح ما يلائمه، وهو الخروج الذي بمعنى الزوال، وجه التشبيه زوال الدرن من الجسم بالماء، والمعنى تزول الخطيئة عنه عند الغسل، بمعنى يغفر لها وتمحى، كما يزول الدرن حقيقة من الجسم عند مماسَّة الماء.

الثالث: أن ظاهر الحديث يدل على أن تلك الفضيلة تحصل له وإنْ لم يصل بذلك الوضوء شيئًا من الصلوات، وفيه دليل على أن الوضوء نفسه عبادة وقربة، وإنْ لم يصل به.

والدليل عليه ما روى البخاري (٢): بإسناده، عن أسامة بن زيد أنه قال: "دفع رسول الله - عليه السلام - من عرفة حتى نزل بالشعب، فبالَ ثم توضأ، ولم يُسبغ الوضوء، فقلت: الصلاة يا رسول الله، قال: الصلاة أمامك، فركب فلما جاء إلى المزدلفة نزل فتوضأ فأسبغ الوضوء، ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب، ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله، ثم أقيمت العشاء، فصلى ولم يُصل بينهما".


(١) أخرجه أحمد في "مسنده" (٢/ ٥٠٦ رقم ١٠٥٨٤) من حديث أبي هريرة مطولًا، والحديث أصله في "صحيح مسلم" (١/ ٢٠٩ رقم ٢٣٣) من حديث أبي هريرة، ولفظه: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان؛ مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر".
(٢) "صحيح البخاري" (١/ ٦٥ رقم ١٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>