للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخرجه البيهقي في "سننه" (١): من حديث الثوري، عن سماك ... إلى آخره نحوه.

وأخرجه أيضًا عبد الرزاق في "مصنفه" (٢): عن الثوري، عن سماك، نحوه.

فدل ذلك أن ما رواه عبيد الله وصهيب عنه كان متأخرًا عما رواه عنه عكرمة المذكور في الفصل الأول، والمتأخر ناسخ للمتقدم؛ وذلك لأن قول ابن عباس هذا بعد النبي - عليه السلام - يدل على أنه قد ثبت عنده ارتفاع حكم ما رواه قيل ذلك، فيكون قوله دلالة للتأريخ، وقد أجاب بعضهم عن أحاديث القطع بأن المراد بالقطع: المبالغة في الخوف على فسادها بالشغل بهم، كما يقال للمادح: قطعت عنق أخيك. أي فعلت به فعلًا يخاف عليه هلاكه منه كمن قطع عنقه، وقد يجاب بأن الحديث الأول لا يساوي هذا الحديث ولا يدانيه على ما ذكرنا، ثم معنى قول ابن عباس: "إليه يصعد الكلم الطيب" إشارة إلى أن المصلى مشتغل بذكر ربه متوجه إليه فكلمه وذكره الطيب يصعدان إلى الله تعالى، والعمل الصالح يرفعه فلا يقطع صلاته مرور الحمار ولا الكلب ولا المرأة.

وقال: ابن حزم احتجِ بعض المخالفين بقول الله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} (٣) قال: "فما يقطع هذا"، قال علي: يقطعه عند هؤلاء المشغبين قبلة الرجل امرأته ومسه ذكره وأكثر من قدر الدرهم من بول، ويقطعه عند الكل رويمة تخرج من الدبر متعمدة.

قلت: هذا كلام سخيف لأن بهذه الأشياء يرتفع الوضوء فيبقى المصلي بلا طهارة فكيف لا تقطعها هذه الأشياء، بخلاف مرور الحمار والكلب والمرأة فإن لا يرفع الوضوء بالإجماع، والمصلي بذلك على طهارته في ذكره وكلمه الطيب، وعمله الصالح يرفعه فلا يضره ولا يقطعه ذلك، والله أعلم.


(١) "سنن البيهقي الكبرى" (٢/ ٢٧٩ رقم ٣٣٢٨).
(٢) "مصنف عبد الرزاق" (٢/ ٢٩ رقم ٣٦٠).
(٣) سورة فاطر، آية: [١٠].

<<  <  ج: ص:  >  >>