ويرد ذلك أيضًا رواية ابن أبي شيبة (١): "فلا صلاة له" فإنه لا يمكن له أن يقول ها هنا اللام بمعنى على لفساد المعنى. فافهم.
فثبت مما ذكرنا أن الأخذ بهذا الحديث أول، من الأخذ بحديث عائشة؛ لأن الناس عابوا ذلك عليها وأنكروه، وجعله بعضهم بدعة، فلولا اشتهار ذلك عندهم لما فعلوه، ولا يكون ذلك إلا لأصل عندهم؛ لأنه يستحيل عليهم أن يروا رأيهم حجة على حديث عائشة، ولم يحفظ عن النبي - عليه السلام - أنه صلى في المسجد على غير ابن البيضاء، ولما نعى النجاشي إلى الناس خرج بهم إلى المصلى فصلى عليه، ولم يصل عليه في المسجد مع غيبته فالميت الحاضر أولى أن لا يصلى عليه في المسجد. والله أعلم.
ص: فلما اختلفت الروايات عن رسول الله - عليه السلام - في هذا الباب، فكان فيما روينا في الفصل الأول إباحة الصلاة على الجنائز في المساجد، وفيما روينا في الفصل الثاني كراهة ذلك؛ احتجنا إلى كشف ذلك لنعلم المتأخر منه فنجعله ناسخًا لما تقدم من ذلك، فلما كان حديث عائشة فيه دليل على أنهم قد كانوا تركوا الصلاة على الجنائز في المسجد بعد أن كانت تفعل فيه، حتى ارتفع ذلك من فعلهم وذهبت معرفة ذلك من عامتهم، فلم يكن ذلك عندها لكراهة حدثت، ولكن كان ذلك عندها؛ لأن لهم أن يصلوا في المسجد على جنائزهم ولهم أن يصلوا عليها في غيره، فلا تكون صلاتهم في غيره دليلًا على كراهة الصلاة فيه، كما لم تكن صلاتهم فيه دليلًا على كراهة الصلاة في غيره. فقالت بعد رسول - عليه السلام - يوم مات سعد - رضي الله عنه - ما قالت لذلك، وأنكر ذلك عليها الناس وهم أصحاب رسول الله - عليه السلام - ومن تبعهم، وكان أبو هريرة - رضي الله عنه - قد علم من رسول الله - عليه السلام - نسخ الصلاة عليهم في المسجد بقول رسول الله - عليه السلام - الذي سمعه منه في ذلك، وأن ذلك الترك الذي كان من رسول الله - عليه السلام - للصلاة على الجنائز في المسجد بعد أن كان يفعلها فيه ترك نسخ، فذلك أولى من حديث