للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: هو قول المتصوفة، ذهبوا إلى أن اليد العليا هي الآخذة لأنها نائبة عن يد الله تعالى.

وحديث ابن مسعود صريح في الرد عليهم.

فإن قيل: ما معنى علوّ يد المعطي؟

قلت: معناه علوّ الفضل والمجد ونيل الثواب.

قوله: "ولا تعجز عن نفسك" وصية بترك العجز والكسل في الصدقة، ووصية أيضًا بترك العجز في الاكتساب حتى لا تضطر إلى السؤال؛ لأن ترك السؤال والتعفف خير من السؤال مع القدرة على الاكتساب.

قوله: "ولا يلام على كفاف" إشارة إلى أنه إذا كان به حاجة وفقر فإنه يَسأل قدر كفايته، ولا يلام على ذلك لكونه مضرورًا فيه وإنما يلام إذا سأل زيادةً للتكثر.

ص: قال أبو جعفر -رحمه الله-: فكانت المسألة التي أباحها رسول الله - عليه السلام - في هذه الآثار كلها هي للفقر لا لغيره، وكان تصحيح هذه الآثار عندنا يوجب أن مَنْ قصد إليه النبي - عليه السلام - بقوله: "لا تحل الصدقة لذي مرة سوي" هو مَنْ استثناه من ذلك في حديث وهب بن خَنْبَش، بقوله: "إلا من فقر مدقع أو غرم مفظع"، وأنه الذي يريد بمسألته أن يكثر ماله ويستغني بمال الصدقة حتى تصحَّح هذه الآثار وتتفق معانيها ولا تتضاد، وهذا المعنى الذي حملنا عليه وجوه هذه الآثار هو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.

ش: أشار بهذا الكلام إلى أن العلة في إباحة السؤال هي الفقر والحاجة لا غير، وإنما يحرم إذا كان للتكثر والاستغناء بمال الصدقة.

وهذا هو وجه تصحيح معاني الأحاديث المذكورة، وإن لم يحمل معناها على ما ذكرنا يلزم التضاد بين معانيها والاختلاف، فلذلك قلنا: إن قوله - عليه السلام -: "لا تحل الصدقة لذي مرَّة سويّ" الذي رواه عبد الله بن عمرو بن العاص المذكور في أول الباب؛ محمول على ما إذا سأل تكثرًا، وهو غير من استثناه - عليه السلام - بقوله: "إلا من فقر

<<  <  ج: ص:  >  >>