للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السانية مطلقًا من غير تعرض فيها إلى بيان المقدار، فدلت بعمومها على وجوب الزكاة في كل ما يخرج من الأرض سواء كان قليلًا أو كثيرًا، فإذا كان الأمر كذلك، تكون أحاديث هؤلاء مضادة لأحاديث أهل المقالة الأولى؛ لأن فيها ذكر المقادير، فحينئذٍ لم يتم استدلالهم بها.

فإن قيل: فإذا لم يتم استدلالهم بها لما ذكرتم فكذلك، لا يتم استدلالكم أيضًا بأحاديثكم لما ذكرتم من التضاد بينها.

قلت: لا نسلم ذلك؛ لأن ما استدللنا به عام وما استدل به هؤلاء خاص. وقد ذكرنا فيما مضى أن العام إذا عُلم تقدمه على الخاص خُص العام بالخاص، وإذا لم يعلم فإن العام يُجعل آخرًا، لما فيه من الاحتياط، وها هنا لم يعلم التاريخ فيجعل العام آخرًا، فصار العمل للأحاديث العامة، فافهم.

ص: فإن قال قائل ممن يذهب إلى قول أهل المدينة: إن هذه الآثار التي رويتَها في هذا الفصل غير مضادة للآثار التي رويتها في الفصل الأول إلا أن الأولى مفسرة وهذه مجملة، فالمفسر أولى من المجمل.

قيل له: هذا محال؛ لأن رسول الله - عليه السلام - أخبر في هذه الآثار أن ذلك الواجب من العشر أو نصف العشر فيما يُسقى بالأنهار أو بالعيون أو بالرشاء أو بالدالية، فكان وجه الكلام على كل ما خرج مما سُقي بذلك، وقد رويتم أنتم عن رسول الله - عليه السلام - أنه ردَّ ماعزًا عندما جاء فأقر عنده بالزنا أربع مرات، ثم رجمه بعد ذلك، ورويتم أن رسول الله - عليه السلام - قال لأنيس: "اغدُ على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها"، فجعلتم هذا دليلًا على أن الاعتبار بالاقرار بالزنا مرة واحدة؛ لأن ذلك ظاهر قول رسول الله - عليه السلام -: "فإذا اعترفت فارجمها" ولم تجعلوا حديث ماعزٍ قاضيًا على حديث أُنَيسٍ هذا المُجْمَل، فيكون الاعتراف المذكور في حديث أنيسٍ المجمل هو الاعتراف المذكور في حديث ماعز المفسر، فإذا كنتم قد [فعلتموه] (١) هذا فيما


(١) كذا في "الأصل، ك"، ولعل الصواب: "فعلتم".

<<  <  ج: ص:  >  >>