للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكرنا، فما تنكرون على مَن فعل في أحاديث الزكوات ما وصفنا؟ بل حديث أنيس أولى أن يكون معطوفًا على حديث ماعز؛ لأنه ذكر فيه الاعتراف، وإقراره مرة واحدة ليس هو اعتراف الزاني الذي يوجب الحد عليه في قول مخالفكم، وحديث معاذ وابن عمر وجابر - رضي الله عنهم - في الزكاة إنما فيه ذكر إيجابها فيما سُقي بكذا أو فيما سقي بكذا، فذلك أولى أن يكون مضادًا لما فيه ذكر الأوساق، من حديث أنيس لحديث ماعز - رضي الله عنه -.

ش: تقرير السؤال أن يقال: لا نسلم التضاد بين هذه الآثارة؛ لأن الأحاديث التي فيها ذكر الأوساق مفسرة، والأحاديث المطلقة التي لم يذكر فيها المقدار مجملة، فالعمل بالمفسر أولى من العمل بالمجمل؛ لأن ما في المفسر يبيِّن ما في المجمل، فيكون المفسر قاضيًا على المجمل فيحمل عليه، ويُعطف حكمه على حكمه.

وتقرير الجواب أن يقال: ما ذكرتم محال؛ لأنه - عليه السلام - أخبر في أحاديث معاذ وابن عمر وجابر أن الواجب الذي أمره من العشر أو نصف العشر فيما يُسقى بالأنهار أو بالعيون أو بالدالية والسانية، فكان الذي يقتضيه الكلام هو الوجوب في كل ما خرج مما سقي بهذه الأشياء، فإذا كان كذلك كيف تكون تلك الأحاديث التي فيها المقادير قاضية على هذه الأحاديث كما فيها من التضاد؟ فإذا ثبت التضاد وجب طلب المخلص، ووجهه مما ذكرناه.

ثم أشار بقوله: "وقد رويتم أنتم ... " بلى آخره إلى أنهم قد عكسوا فيما قالوا حيث تركوا العمل به في حديث ماعز وحديث المرأة اللذين اعترفا بالزنا، بيان ذلك أنكم رويتم أن النبي - عليه السلام - ردَّ ماعزًا عندما جاء فأقر عنده بالزنا أربع مرات، ثم أمر رسول الله - عليه السلام - برجمه وهذا مفسر، ورويتم أيضًا أنه - عليه السلام - قال لأنيس بن الضحاك الأسلمي: "اغدُ على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها" وهذا مجمل، فجعلتم هذا دليلًا على أن الاعتبار في الإقرار بالزنا مرةً واحدة، فعملتم بهذا المجمل وتركتم العمل بالمفسر حيث لم تشترطوا في إقامة الحد على الزاني إلا إقراره مرةً واحدةً، فإذا كنتم قد

<<  <  ج: ص:  >  >>