ش: أي فهذا الحكم الذي ذكرناه، وهو جواز استعمال الطيب عند الإِحرام قد جاء فيه عمن ذكرناه في هذه الآثار من أصحاب رسول الله -عليه السلام-وهم الصحابة الأربع الذين ذكرناهم عن قريب- ما يوافق ما قد روته عائشة عن النبي -عليه السلام-، وهو الذي أخرجه من ثمانية عشر طريقًا، وكفى بذلك حجة، وروي في ذلك أيضاً عن عبد الله بن جعفر وأنس بن مالك والحسن بن علي وأبي ذرٍّ -رضي الله عنهم-.
وقال ابن حزم في "المحلى"(١): وروينا من طريق محمد بن قيس، عن الشعبي قال:"كان عبد الله بن جعفر يتطيب بالمسك عند إحرامه".
ومن طريق ابن أبي شيبة، عن مروان بن معاوية الفزاري، عن صالح بن حيان قال:"رأيت أنس بن مالك أصاب ثوبه من خلوق الكعبة وهو محرم فلم يغسله".
ومن طريق وكيع، عن سفيان، عن عمار الدهني، عن مسلم البطين:"أن الحسن بن علي -رضي الله عنهما- أمر لأصحابه بالطيب عند الإِحرام".
ومن طريق شعبة، عن الأشعث بن سليم، عن مرة بن خالد الشيباني قال:"سألنا أبا ذر بالربذة، بأي شيء يدهن المحرم؟ قال: بالدهن".
ص: وأما محمد بن الحسن -رحمه الله-: فإنه كان يذهب في ذلك إلى ما روي عن عمر وعثمان بن أبي العاص وابن عمر -رضي الله عنهم- من كراهته، وكان من الحجة له في ذلك: أن ما ذكر في حديث عائشة -رضي الله عنها- من تطيب رسول الله -عليه السلام- عند الإِحرام إنما فيه أنها كانت تطيبه إذا أراد أن يحرم، فقد يجوز أن يكون كانت تفعل به هذا ثم يغتسل إذا أراد أن يحرم فيذهب بغسله عنه ما كان على بدنه من طيب ويبقي فيه ريحه.
ش: لما كان مذهب محمد بن الحسن كراهة التطيب عند الإِحرام لما روي عن هؤلاء الصحابة وذكر فيما مضى، وكان هذا اختياره على ما يقول في آخر الباب وبه يأخذ، ذكره ليجيب عن ما روي عن عائشة الذي احتجت به أهل المقالة الثانية الذين أبو حنيفة وأبو يوسف منهم نصرة لما قاله محمد الذي هو مختاره، وهو الذي