أشار إليه بقوله:"وكان من الحجة له" أي لمحمد -رحمه الله-: "في ذلك" أي فيما ذهب إليه، وهو ظاهر.
وقد أجاب بعضهم نصرة له بأن هذا كان مخصوصًا بالنبي -عليه السلام-، وفيه نظر؛ لأنه قد روى ابن حزم (١): من طريق حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن سالم بن عبد الله، عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت:"طيبته -عليه السلام- بيدي" وروي أنهن كن يضمخن جباههن بالمسك ثم يحرمن ثم يعرقن، فيسيل على وجوههن، فيرى ذلك رسول الله -عليه السلام- فلا ينكره.
ص: فإن قال قائل: فقد قالت عائشة -رضي الله عنها- في حديثها:"كنت أرى وبيص الطيب في مفارقه بعد ما أحرم" قيل له: قد يجوز أن يكون ذلك وقد غسله كما ذكرنا، وهكذا الطيب ربما غسله الرجل عن وجهه أو عن بدنه فيذهب، ويبقى وبيصه، فلما احتمل ما روي عن عائشة -رضي الله عنها- من ذلك ما ذكرنا؛ نظرنا هل فيما روي عنها شيء يدل على ذلك؟ فإذا فهد قد حدثنا قال: ثنا أبو غسان، قال: ثنا أبو عوانة، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، عن أبيه قال:"سألت ابن عمر عن الطيب عند الإِحرام، فقال: ما أحب أن أصبح محرمًا ينضخ مني ريح الطيب، فأرسل ابن عمر بعض بنيه إلى عائشة -رضي الله عنها- ليسمع أباه ما قالت، قال: فقالت عائشة: أنا طيبت رسول الله -عليه السلام- ثم طاف في نسائه فأصبح محرمًا، فسكت ابن عمر".
قال أبو جعفر -رحمه الله-: فدل هذا الحديث على أنه قد كان بين إحرامه وبين تطييبها إياه غسل؛ لأنه لا يطوف عليهن إلاَّ اغتسل، فكأنها إنما أرادت بهذه الأحاديث الاحتجاج على من كره أن يوجد من المحرم بعد إحرامه ريح الطيب، كما كره ذلك ابن عمر -رضي الله عنهما- فأما بقاء نفس الطيب على بدن المحرم بعد ما أحرم وإن كان تطيب قبل الإِحرام فلا، فَتَفَهَّم هذا الحديث فإن معناه معنى لطيف.