ش: هذا السؤال وارد على قوله: "فقد يجوز أن يكون كانت تفعل به ... " إلى، آخره، تقريره أن يقال: كيف يجوز ما ذكرت من التأويل وقد قالت عائشة في حديثها: "كنت أرى وبيص الطيب -أي بريقه ولمعانه- في مفارقه بعد ما أحرم" وهذا ينافي ما ذكرتم من التأويل؟
فأجاب عنه بقوله:"قيل له: تقريره أن يقال: يجوز أن يكون بريقه موجودَّا وقد كان غسله، وهكذا شأن الطيب ربما يغسله الرجل عن بدنه أو عن وجهه أو عن عضو من أعضائه، فيذهب بالغسل ويبقى بريقه ولمعانه.
قوله: "فلما احتمل ما روي عن عائشة ... " إلى آخره. هذا يمكن أن يكون جوابًا عما يقال: هل تجد دليل من الحديث يدل على صحة ما ذكرتم من التأويل؟ فقال: نعم، وهو ما روي عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: "أنا طيبت رسول الله -عليه السلام- ثم طاف في نسائه، فأصبح محرمًا" فهذا يدل على أنه قد كان بين إحرامه -عليه السلام- وبين تطييب عائشة -رضي الله عنها- إياه غسل، لأنه -عليه السلام- ما كان يطوف على نسائه إلاَّ وقد اغتسل، فدل أن الغسل كان متخللًا بين التطييب والإِحرام، ثم لا شك أن الطيب كان يزول بالغسل غير أنه قد كان يبقى ريحه ووبيصه، وفهم من هذا أن مراد عائشة بهذه الأحاديث التي روى عنها بطرق مختلفة الإِنكار على من قد كان كره أن يوجد من المحرم بعد إحرامه ريح الطيب، لا أنها قصدت بذلك إباحة الطيب عند الإِحرام، وهو معنى قوله: "فأمَّا بقاء نفس الطيب على بدن المحرم ... " إلى آخره.
وقد اعترض ابن حزم (١) على الطحاوي في هذا المقام، فقال: كل من الرواة عن عائشة ممن لا يعدل محمد بن المنتشر بأحد منهم لو انفرد، فكيف إذا اجتمعوا من أنها قالت: إنها طيبته -عليه السلام- عند إحرامه ولإِحلاله قبل أن يطوف بالبيت، وما رواه من رواه منهم من أنها رأت الطيب في مفارقه -عليه السلام- بعد ثالثة من إحرامه أيضًا، فقد صح بيقين لا خلاف فيه أنه -عليه السلام- إنما أحرم في تلك الحجة إثر صلاة الظهر، فصح أن