للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطيب الذي روى ابن المنتشر هو طيب آخر كان قبل ذلك بليلة طاف فيها -عليه السلام- على نسائه ثم أصبح كما في حديث ابن المنتشر.

قلت: محمد بن المنتشر ممن روى له الجماعة، فإذن لا اعتبار لقوله: "ممن لا يعدل محمد بن المنتشر بأحد منهم" وقد قيل: إن الطيب الذي طيبت به عائشة رسول الله -عليه السلام- كان من الذي لا يبقى له ريح، وقال القاضي: أو نقول: إنه أذهبه غسل الإِحرام. ويعضد هذا التأويل ما ذكر مسلم في الحديث: "طيبت رسول الله -عليه السلام- عند إحرامه، ثم طاف على نسائه ثم أصبح محرمًا، فقد ظهرت علة تطييبه أنها إنما كانت لمباشرة نسائه، وأن غسله بعد ذلك منهن وغسله للإِحرام أذهبه، لا سيما وقد ذكر عنه أنه كان يتطهر من كل واحدة قبل مواقعة الأخرى، فأي طيب يبقى بعد أغسال كثيرة؟! ثم قال: وقد ثبت أن الطيب الذي طيبته به ذريرة، وهي مما يذهبها الغسل ولا يبقى ريحها بعده.

وقال البيهقي في كتاب "المعرفة" (١) وغيره: واحتج الطحاوي في وجوب غسله قبل الإِحرام حتى يذهب أثره بحديث محمد بن المنتشر، وليس في هذا الحديث أنه أصابهن حتى وجب عليه الغسل، وقد كان يطوف عليهن من غير أن يصيبهن، قالت عائشة -رضي الله عنها-: "قلّ يوم -أو ما كان يوم- إلاَّ ورسول الله -عليه السلام- يطوف علينا جميعًا، فيقبل ويلمس ما دون الوقاع، فإذا جاء [الذي هو] (٢) يومها يبت عندها" ثم إن كان في هذا الحديث دلالة على أنه اغتسل بعد ما تطيب أو اغتسل للإِحرام كما روي في بعض الأخبار؛ ففي حديث إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة أنها قالت: "كأني انظر إلى وبيص المسك في مفارق رسول الله -عليه السلام- وهو محرم" وفي حديث عطاء بن السائب، عن إبراهيم بعد ثلاث، وفي هذا دلالة على بقاء عينه وأثره عليه بعد الإِحرام؛ لأن وبيص المسك: بريقه ولمعانه ولا يكون لرائحة الطيب بريق إنما البريق لعينه الباقية عليه.


(١) "معرفة السنن والآثار" (٣/ ٥٤٨).
(٢) في "الأصل، ك": "هو الذي"، والمثبت من "المعرفة".

<<  <  ج: ص:  >  >>