"الاستذكار" ذهب أهل الظاهر إلى جواز ركوب الهدي من ضرورة وغير ضرورة، وبعضهم يوجب ذلك لقول النبي -عليه السلام-: "اركبها". وذهبت طائفة من أهل الحديث أنه لا بأس بركوب الهدي على كل حال.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: إنما كان هذا من النبي -عليه السلام- لضرٍّ رآه من الرجل، فأمره بما أمره به لذلك، وهكذا نقول نحن: لا بأس بركوبها في حال الضرورة، ولا يجوز في حال الوجود.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح وأبا حنيفة ومالكًا والشافعي وأصحابهم، فإنهم قالوا: لا يُركب الهدي إلَّا عن ضرورة واحتياج إليه، وقال الترمذي: وقد رخص قوم من أهل العلم من أصحاب النبي -عليه السلام- وغيرهم في ركوب البدنة إذا احتاج إلى ظهرها، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق، وقال بعضهم: لا يركب ما لم يضطر إليه انتهى.
وقال ابن القاسم: فإن ركبها محتاجًا فليس عليه أن ينزل إذا استراح، وقال القاضي إسماعيل: مذهب مالك يدل على أنه إذا استراح نزل، وقال ابن التين: وعن بعض الشافعية والحنفية إن نقصها ركوبه ضمن النقصان.
وقال أبو عمر: وقال أبو حنيفة والشافعي: إن نقصها الركوب، أو شرب لبنها فعليه قيمة ما شرب من لبنها وقيمة ما نقصها الركوب.
ص: فاحتمل أن يكون النبي -عليه السلام- أمر بذلك للضرورة كما قالوا، واحتمل أن يكون ذلك لا للضرورة ولكن؛ لأن حكم البدن كذلك تركب في حال الضرورة، وفي حال الوجود، فنظرنا في ذلك فإذا نصر بن مرزوق قد حدثنا، قال: ثنا علي ابن معبد، قال: ثنا إسماعيل بن جعفر، عن حميد، عن أنس:"أن رسول الله -عليه السلام- رأى رجلاً يسوق بدنة وقد جهد، قال: اركبها، قال: يا رسول الله، إنها بدنة، قال: اركبها".