للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالث: وأيضًا كلهم رجال الصحيح، وأخرجه مالك في "موطإه" (١): عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، أنه سمع أبا هريرة: "أنه مرّ به قوم محرمون بالربذة، فاستفتوه في لحم صيد وجدوا ناسًا أحلة يأكلونه، فأفتاهم بأكله، قال: ثم قدمت المدينة على عمر بن الخطاب فسألته عن ذلك، فقال: بم أفتيته؟ قال: فقلت: أفتيتهم بأكله. قال: فقال عمر: لو أفتيتهم بغير ذلك لأوجعتك".

الرابع: عن نصر بن مرزوق وإبراهيم بن أبي داود البرلسي، كلاهما عن عبد الله ابن صالح، عن الليث بن سعد، عن عُقيل -بضم العين- بن خالد الأيلي عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن سالم بن عبد الله، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (٢): عن وكيع، عن أسامة بن زيد، عن سالم، قال: سمعت أبا هريرة يقول: "لما قدمت من البحرين لقيني قوم من أهل العراق، فسألوني عن الحلال يصيد الصيد فيأكله الحرام، فأفتيتهم بأكله، فقدمت على عمر -رضي الله عنه- فسألته عن ذلك فقال: لو أفتيتهم بغير هذا ما أفتيت أحدًا أبدًا".

قوله: "فلم يكن عمر لَيُعاقب" بفتح اللام لأنها للتأكيد، معنى هذا الكلام أن أبا هريرة لو أفتى بخلاف ما عند عمر -رضي الله عنه- مثلاً، وكان ذلك برأيه واجتهاده، وكذلك عند عمر برأيه واجتهاده ولم يكن عمر يعاقب أبا هريرة وهو من أصحاب النبي -عليه السلام- في فتياه بخلافه لأن ما عند كل منهما رأي واجتهاد، وليس للمجتهد أن يعاقب مجتهدًا آخر عند تخالف رأيهما، ولكن الذي كان عند عمر كان من جهة وقوفه على علم فيه من النبي -عليه السلام-، ولم يكن رأيه ولا اجتهاده، فوافقه فتوى أبي هريرة، فلذلك قال: "لو أفتيت بغير ذلك لعلوتك بالدرة" لأنه حينئذ كان يكون مفتيًا بالرأي، بخلاف ما عنده مما وقف عليه من جهة النبي -عليه السلام-، فحينئذ كان يتوجه العقاب لمن يفتي بالرأي عند وجود النص من الشرع بخلافه فافهم.


(١) "موطأ مالك" (١/ ٣٥٢ رقم ٧٨٣).
(٢) "مصنف ابن أبي شيبة" (٣/ ٣٠٧ رقم ١٤٤٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>