قوله:"الأشواط الثلاثة" وهو جمع شوط، وهو مأخوذ من قولهم: جرى الفرس شوطًا إذا بلغ مجراه ثم عاد، فكل من أتى موضعاً ثم انصرف عنه فهو شوط.
قوله:"إلَّا الإِبقاء" بكسر الهمزة وبالباء الموحدة والمد، أي إلَّا الرفق بهم، قال القرطبي: رويناه بالرفع على أنه فاعل "لم يمنعه" ويجوز النصب على أنه يكون مفعولًا من أجله، ويكون في "لم يمنعه" ضمير عائد على النبي -عليه السلام- وهو فاعل.
قلت: الصحيح أنه مرفوع على أنه فاعل "لم يمنعه" والمعنى لم يمنع النبي -عليه السلام- أن يأمرهم بأن يرملوا -أي بالرمل في الأشواط الأربعة- إلَّا الإِبقاء عليهم.
ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا حجاج بن نصير، قال: ثنا فطر بن خليفة، عن أبي الطفيل قال:"قلت لابن عباس: يزعم قومك أن رسول الله -عليه السلام- رَمَل بالبيت وأنها سُنة، قال: صدقوا وكذبوا، قد رمل رسول الله -عليه السلام- بالبيت وليس بسُنة، ولكن قدم رسول الله -عليه السلام- مكة والمشركون على قُعَيْقِعَان، وبلغه أنهم يقولون: إن به وبأصحابه هزالاً، فقال لأصحابه: ارملوا، أروهم أن بكم قوة، فكان رسول الله -عليه السلام- يرمل من الحجر الأسود إلى الركن اليماني، فإذا توارى عنهم مشى".
قالوا: أفلا يرى أنه أمرهم أن يمشوا في الأشواط الثلاثة فيما بين الركنين حيث لا يراهم المشركون، وأمرهم أن يرملوا فيما بقي من هذه الأشواط ليروهم؟ فلما كان قد أمرهم بالرمل حيث يرونهم، وبتركه حيث لا يرونهم؛ ثبت بذلك أن الرمل كان من أجلهم لا من أجل أنه سُنة.
ش: حجاج بن نصير الفسطاطي القيسي أبو محمد البصري، فيه مقال؛ فعن يحيى: ضعيف. وقال أبو حاتم: منكر الحديث. وعن النسائي: ليس بثقة ولا يكتب حديثه. وذكره ابن حبان في الثقات وقال: يخطيء ويهم.
وفطر بن خليفة القرشي أبو بكر الكوفي الحناط بالنون، وثقه أحمد ويحيى والعجلي، وفيه تشيع قليل، روى له البخاري -مقرونًا بغيره- والأربعة.