والثاني: أن نأوله بما أوله الطحاوي، وهو الأشبه؛ لأن الحديث صحيح ليس فيه كلام من جهة الإِسناد ولا غيره، وقد أحسن الطحاوي في تأويله، ولهذا قال: وهذا أحسن ما خرج من معاني هذه الآثار وصحت عليه ولم تتضاد. والله أعلم.
الثالث: فيه بيان أيام الرمي وهي أيام منى التي ترمي فيها الجمار وهي ثلاثة، ولم يختلف أهل العلم أن أيام منى ثلاثة بعد يوم النحر، وأن للحاج أن يتعجل في اليوم الثاني منها إذا رمى الجمار، وينفر، وأن له أن يتأخر إلى اليوم الثالث حتى يرمي الجمار فيه ثم ينفر.
واختلف فيمن لم ينفر حتى غابت الشمس من اليوم الثاني، فروي عن عمر وابن عمر وجابر بن زيد والحسن وإبراهيم:"أنه إذا غابت الشمس من اليوم الثاني قبل أن ينفر فلا ينفر حتى يرمي الجمار من الغد.
وقد روي عن الحسن أن له أن ينفر في اليوم الثاني إذا رمى وقت الظهر كله، فإن أدركته صلاة العصر بمنى فليس له أن ينفر إلى اليوم الثالث.
وقال أصحابنا: إذا لم ينفر حترل غابت الشمس فلا ينبغي له أن ينفر حتى يرمي جمرة اليوم الثالث، ولا يلزمه ذلك إلاَّ أن يصبح بمنى، فحينئذٍ يلزمه في اليوم الثالث ولا يجوز له تركه.
ص: وأما وجه ذلك من طريق النظر: فإنا قد رأينا الأصل المجتمع عليه: أن للضعفة أن يتعجلوا من جمع بليل، وكذلك أمر رسول الله -عليه السلام- أغيلمة بني المطلب، وسنذكر ذلك في موضعه من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى.
وقد رخص لسودة ترك الوقوف بها.
حدثنا ابن خزيمة، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد، قال: ثنا عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كانت سودة امرأة ثبطة ثقيلة، فاستأذنت النبي -عليه السلام- أن تفيض من جمع قبل أن تقف، فأذن لها، ولوددت أني كنت استأذنته فأذن لي".