للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للصلاة ثم توضأ آخر بالمزدلفة لعذر طرأ عليه، وليس يقال في الاستنجاء: وضوءًا خفيفًا، ولا: ليس [بالبالغ] (١) ومعني لم يسبغ: لم يكرره، وقد يكون وضوءه بالمزدلفة لتمام الفضيلة بتكراره وتمام عدده ثلاثًا، والله أعلم.

ويدل على أن وضوءه للصلاة قوله: "ذهب إلى الغائط فلما رجع صببت عليه من الإِداوة فتوضأ" وخففه ليكون على طهارة، أو لاستعجاله، فلما أتى مزدلفة أتم فضيلته بالتكرار، أو ابتدأ فرضه لحدث اعتراه، ولا وجه لقول من قال: إنه توضأ وضوءين ليخص كل صلاة من الصلاتين التي تجمع بالمزدلفة بوضوء على عادته من الوضوء لكل صلاة؛ إذ تكرر الوضوء قبل أداء فريضة به ممنوع، ومن السرف المنهي عنه، إنما الفضيلة في تكراره بعد صلاة فرض به.

وقال أبو عمر (٢): وأما قوله "نزل فبال فلم يسبغ الوضوء" فوجهه عندي -والله أعلم- أنه استنجى بالماء واغتسل به من بوله، وذلك يسمى وضوءًا في كلام العرب؛ لأنه من الوضاءة التي هي النظافة.

ومعنى قوله: "لم يسبغ الوضوء" أي: لم يكمل وضوءًا للصلاة ولم يتوضأ للصلاة.

والإِسباغ الإِكمال، فكأنه قال: لم يتوضأ بوضوء الصلاة ولكنه توضأ من البول، هذا وجه الحديث عندي، وهو الصحيح.

وقيل: أنه توضأ وضوءًا خفيفًا ليس بالبالغ، وضوءًا بين الوضوءين، وهذا ظاهره غير الاستنجاء.

وقيل: إنه توضأ على بعض أعضاء الوضوء ولم يكمل الوضوء للصلاة، وعل ما روي عن ابن عمر: "أنه كان إذا أجنب ليلاً وأراد النوم غسل وجهه ويديه إلى المرفقين وربما مسح برأسه ونام" وهذا وجه ضعيف لا معنى له، ولا يجوز أن


(١) في "الأصل، ك": "للبالغ".
(٢) "التمهيد" (١٣/ ١٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>