فيه دخول مكة بلا إحرام وبالسلاح، وهو منسوخ على ما يأتي بيانه إن شاء الله وأن الكعبة لا تعيذ عاصيًا ولا تمنع من إقامة حد واجب، وإليه ذهب مالك والشافعي وأبو يوسف، قاله البيهقي.
قلت: قال الله تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا}(١) ومتى تُعرض إلى من التجأ به يكون سلب الأمن عنه، وهذا لا يجوز، حتى إن من وجب عليه قصاص أو حدٌّ إذا هرب ودخل الحرم لم يقبض في الحرم من النفس عندنا، ويقام عليه فيما دون النفس مما سوى ذلك حتى يخرج من الحرم، وقتل ابن خطل في مكة إنما كان في الوقت الذي أحلت له -عليه السلام- فيه ومذهب زفر: أنه إذا قتل في الحرم أو زنى فيه يقتل ويرجم، وعن أبي يوسف: يخرج من الحرم ويقتل، وكذا في الرجم واختلفوا في تغليظ الدية على من قَتَل في الحرم، فأكثرهم على أنه في الحل والحرم سواء، وعن سالم مَنْ قَتَل خَطَأً في الحرم زيد عليه في الدية ثلث الدية، وهو قول عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، وخالفه في ذلك عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- وبه استدل جماعة من المالكيين على جواز قتل من سب النبي -عليه السلام- وأنه يقتل ولا يستتاب.
وقال أبو عمر: وقد زعم بعض أصحابنا المتأخرين أن رسول الله -عليه السلام- إنما قتل ابن خطل لأنه كان يسبه، والذي ذكر ابن إسحاق في "المغازي" غير هذا، ولو كانت العلة ما ذكر هذا القائل ما ترك من كان يسبه، وما أظن أحدًا منهم امتنع في حين كفره ومحاربته من سبه، وجعل القائل هذا حجة لقتل الذمي إذا سب رسول الله -عليه السلام- وهذا لا يجوز عند أحد من العلماء أن يقيس الذمي على الحربي؛ لأن ابن خطل كان في دار حرب ولا ذمة له، وقد حكم الله في الحربي إذا قدر عليه بتخيير الإِمام إن شاء قتله، وإن شاء مَنَّ عليه، وإن شاء افتدى به؛ فلهذا قتل رسول الله -عليه السلام- ابن خطل وغيره، فمن أراد منهم قتله على أن