مكة إلاَّ بإحرام، فإن لم يفعل أساء، ولا شيء عليه عند الشافعي وأبي ثور، وعند الثوري وأبي حنيفة عليه حجة أو عمرة، وقال أبو عمر: لا أعلم خلافًا بين فقهاء الأمصار في الحطابين ومن يدمن الاختلاف إلى مكة ويكثره في اليوم والليلة أنهم لا يؤمرون بذلك؛ لما عليهم فيه من المشقة، وقال ابن وهب عن مالك: لست آخذ بقول ابن شهاب في دخول الإِنسان مكة بغير إحرام، وقال: إنما يكون ذلك على مثل ما عمل عبد الله بن عمر من القرب، إلاَّ رجلاً يأتي بالفاكهة من الطائف، أو ينقل الحطب يبيعه، فلا أرى بذلك بأسًا، قيل له: فرجوع ابن عمر من قديد إلى مكة بغير إحرام؟ فقال: ذلك أنه جاءه خبر من جيوش المدينة.
ص: واختلف هؤلاء فقال بعضهم: وكذلك الناس جميعًا من كان بعد الميقات وقبل الميقات غير أهل مكة خاصة.
وقال آخرون: من كان منزله في بعض المواقيت أو فيما بعدها إلى مكة فله أن يدخل مكة بغير إحرام، ومن كان منزله قبل المواقيت لم يدخل مكة إلاَّ بإحرام، وممن قال هذا القول: أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد -رحمهم الله-.
وقال آخرون: أهل المواقيت حكمهم حكم من كان قبل المواقيت، وجعل أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد -رحمهم الله- حكم أهل المواقيت كحكم من كان من ورائهم إلى مكة، وليس النظر في هذا عندنا ما قالوا؛ لأنا رأينا من يريد الإِحرام إذا جاوز الميقات حلالاً حين فرغ من حجته ولم يرجع إلى المواقيت كان عليه دم، ومن أحرم من المواقيت كان محسنًا، فكذلك من أحرم قبلها كان كذلك أيضًا، فلما كان الإِحرام من المواقيت في حكم الإِحرام مما قبله لا في حكم الإِحرام مما بعدها؛ ثبت أن حكم المواقيت كحكم ما قبلها لا كحكم ما بعدها؛ فلا يجوز لأهلها من دخول الحرم إلاَّ ما يجوز لأهل الأمصار التي قبل المواقيت فانتفى بهذا ما قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد في حكم [أهل](١) المواقيت.
(١) ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".