بعدها، ثبت بذلك أنه لو كان أراد بقوله:"فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء" الأطهار إذًا لجعل له أن يطلقها بعد طهرها في هذه الحيضة ولا ينتظر ما بعدها؛ لأن ذلك طهر، فلما لم يبح له الطلاق في ذلك الطهر حتى يكون طهرًا آخر بينه وبين ذلك الطهر حيضة؛ ثبت بذلك أن تلك العدة التي أمر الله -عز وجل- أن تطلق لها النساء إنما هي وقت ما تطلق النساء، وليس لأنها عدة تطلق لها النساء، يجب بذلك أن تكون هي العدة التي تعتد بها النساء، لأن العِدد مختلفة، منها: عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرًا، ومنها: عدة المطلقة ثلاثة قروء، ومنها: عدة الحامل أن تضع حملها، فكانت العدة اسمًا واحدًا لمعانٍ مختلفة، ولم يكن كل ما لزمه اسم عدة وجب أن يكون قرءًا، فكذلك لما لزم اسم الوقت التي تطلق فيه النساء اسم عدة، لم يثبت له بذلك اسم القرء، فهذه معارضة صحيحة.
ش: أي فكان من الحجة والبرهان للجماعة الأخرى وهم الذين قالوا: إن الأقراء: الحيض. عليهم -أي على الذين ذهبوا إلى أنها الأطهار- وأراد بها الجواب عما احتجوا به من حديث ابن عمر على سبيل المعارضة.
وهي لغةً عبارة عن المقابلة على سبيل الممانعة والمرافعة.
واصطلاحًا عبارة عن تسليم الدليل مع المنع في المدلول بدليل آخر، وهذا الاعتراض صحيح عند جمهور المحققين من الفقهاء والمتكلمين؛ فلذلك أشار إليه بقوله: فهذه معارضة صحيحة، بيان ذلك أن من قال: إن الأقراء هي الحيض، قالوا لمن قال: إنها الأطهار: ما ذكرتم من الدليل وإن دلَّ على ما ذكرتم من المدلول، ولكن عندنا من الدليل على خلافه، ثم بين ذلك بقوله: فلما نهاه رسول الله -عليه السلام- عن إيقاع الطلاق ... إلي آخره، فهذه معارضة صحيحة؛ لأنها لا تتضمن إبطال تعليل الخصم المستدل، وإنما هي بيان دليل آخر يوجب خلاف ما أوجبه دليل المستدل من غير تعرض لإبطال دليله، بخلاف المعارضة التي فيها المناقضة؛ فإنها متضمنة لإبطال تعليل المستدل. فافهم.