ش: هذا جواب عن الاحتجاج المذكور، تقريره أن يقال: إن الحيضة وإن كانت مؤنثًا ولكن لفظ القرء مذكر فروعي فيه جانب اللفظ مع جواز الأمر الآخر؛ لأن عادة العرب شاعت في أن المعدود إذا كان مؤنثًا واللفظ مذكرًا أو بالعكس فوجهان، لكن اعتبار اللفظ عندهم أولى من اعتبار المعنى.
قال القاضي عياض: تعلق بعض أصحابنا بدخول الهاء في الثلاث في قوله سبحانه وتعالى: {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}(١) على أن المراد بالأقراء: الأطهار، ولو أراد الحيض لقال: ثلاث قروء؛ لأن العرب تدخل الهاء في عدد المذكر من الثلاثة إلى العشرة، وتحذفها من المؤنث.
فإتيانها في قوله تعالى:{ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}(١) يدل على أن المراد الأطهار. وهذا غلط؛ لأن العرب قد تراعي في التذكير والتأنيث اللفظ المقرون به العدد، فتقول: ثلاث منازل. وهي تريد: ثلاث ديار إذ كانت الدار مؤنثة؛ لأن لفظ المنزل مذكر وقد يعتبر المعنى أحيانًا، قال ابن أبي ربيعة:
وكان مجني دون من كنتُ أتقي ثلاث شخوص كاعبان ومعصرُ.
فأنث على معنى الشخوص لا على اللفظ.
وحكى أبو عمرو بن العلاء: أنه سمع أعرابيًّا يقول: فلان لغوب جاءته كتابي فاحتقرها، قال: فقلت له: أفتقول: جاءته كتابي؟ فقال: أليس بصحيفة؟
فأخبر أنه أنَّث مراعاة للفظة الصحيفة الذي لم يذكره لما كانت في المعنى؛ ففي الكتاب المذكور.
ص: فأما وجه هذا الباب من طريق النظر؛ فإنا قد رأينا الأمة جُعل عليها في العدة نصف ما جُعل على الحرَّة فكانت الأمة إذا كانت ممن لا تحيض كان عليها نصف عدة الحرة إذا كانت ممن لا تحيض وذلك شهر ونصف، فإذا كانت ممن تحيض جُعل عليها -باتفاقهم- حيضتان وأريد بذلك نصف ما على الحرة.