للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحديث: "فحصبه الأسود، وقال: ويلك، لِمَ تفتي بمثل هذا؟! قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لها: إن جئت بشاهدين يَشْهدان أنهما سمعاه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإلا لم نترك كتاب الله لقول امرأة، {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (٢) " انتهى.

وهذا صريح إنكار من عمر بن الخطاب بحضرة من أصحاب رسول -عليه السلام- فلم ينكر ذلك عليه مُنْكِر؛ فدل ذلك أن مذهبهم في ذلك كمذهبه، وكذلك أنكره من الصحابة أسامة بن زيد، وأم المؤمنين عائشة -رضي الله عنهم- وكذا أنكره من التابعين سعيد بن المسيب والأسود بن عبد الرحمن وغيرهم -على ما يجيء مفصلاً إن شاء الله تعالى.

فقد ظهر من هؤلاء السلف النكير على فاطمة في روايتها لهذا الحديث، ومعلوم أنهم كانوا لا ينكرون روايات الأفراد بالنظر والقياس، فلولا أنهم قد علموا خلافه من سنة النبي -عليه السلام- ومن ظاهر الكتاب لما أنكروه عليها، وقد استفاض خبر فاطمة في الصحابة، فلم يعمل به أحدٌ منهم إلا شيئًا روي عن ابن عباس؛ رواه الحجاج بن أرطاة، عن عطاء، عن ابن عباس: "أنه كان يقول في المطلقة ثلاثًا والمتوفى عنها زوجها: لا نفقة لهما وتعتدان حيث شاءتا" (١).

فإن قيل: قال البيهقي (٢): روى هذا الحديث يحيى بن آدم عن عمار بن رزيق، ولم يقل فيه: "وسنة نبينا" ثم حكى عن الدارقطني أن يحيى بن آدم أحفظ من الزبيري وأثبت منه، ثم قال: قال الشافعي -رحمه الله-: ما نعلم في كتاب الله ذكر نفقة، إنما في كتاب الله ذكر السكنى.

قلت: لا معارضة بين رواية يحيى بن آدم وبين رواية الزبيري حتى يرجح يحيى عليه؛ لأن الزبيري ما خالفه بل وافقه وزاد عليه قوله: "وسنة نبينا" وهو إمام


(١) يأتي إن شاء الله.
(٢) "سنن البيهقي" (٧/ ٤٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>