وأخرجه البيهقي (١) من حديث ابن وهب وأبي عاصم، قالا: أنا ابن جريج، أن أبا الزبير أخبره، عن جابر، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"إن بعت من أخيك ثمرًا فأصابته جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا، بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟! ".
وقالت أهل المقالة الأولى: هذا الحديث قد بَيَّن المعني الذي ذكرنا في وضع الجوائح. وسيأتي الجواب عن هذا إن شاء الله تعالى.
وقال ابن حزم: لا حجة في هذا الحديث لقول مالك ومن تبعه؛ بل هو حجة عليه، لأنه ليس فيه تخصيص ثلث من غيره، وكذا الحديث الأول.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: ما ذهب من ذلك من شيء -قَلَّ أو كثر- بعد أن يقبضه المشتري؛ ذهب من مال المشتري وما ذهب في يدي البائع قبل أن يقبضه المشتري بطل ثمنه عن المشتري.
وقالوا: ما في هذه الآثار المروية عن رسول الله -عليه السلام- التي ذكرتموها فمقبول صحيح على ما جاء، ولسنا ندفع من ذلك شيئًا؛ لصحة مخرجه، ولكنا نخالف التأويل الذي تأولها عليه أهل المقالة الأولى.
ونقول: إن معنى الجوائح المذكورة فيها: هي الجوائح التى يصاب الناس بها وتجتاحهم في الأرضين الخِرَاجية التي خراجها للمسلمين، فوضع ذلك الخراج عنهم واجب لازم؛ لأن في ذلك صلاحًا للمسلمين، وتقوية لهم في عمارة أرضهم، فأما في الأشياء المبيعات فلا؛ فهذا تأويل حديث جابر -رضي الله عنه- الذي في أول هذا الباب.
وأما حديث جابر الثاني فمعناه غير هذا المعني، وذلك أنه ذكر فيه البيع ولم يذكر فيه القبض، فذلك عندنا على البياعات التي تصاب في أيدي باعتها قبل قبض المشتري لها، فلا يحل للباعة أخذ ثمنها، لأنهم يأخذونها بغير حق، فهذا تأويل هذا الحديث عندهم.