ما أفتي به عمر -رضي الله عنه- ولا سيما تابعته أيضًا على ذلك زينب امرأة عبد الله وهي أيضًا صحابية، وتابعهم على ذلك أيضًا عبد الله بن عمر فيما روى نافع عنه، والحال أنه قد علم من رسول الله -عليه السلام- ما كان من قوله لعائشة في أمر بريرة على ما مرت روايته فيما مضى، فدلَّ ذلك على شيئين:
الأول: أن معنى حديث بريرة كان عند عبد الله بن عمر على خلاف ما حمله عليه أهل المقالة الأولى.
والثاني: أن هذا الحكم، أعني فساد البيع بفساد الشرط صار كالمجمع عليه؛ لأنا لا نعلم أحدًا من الصحابة -رضي الله عنهم- ذهب في ذلك إلى خلاف ما ذهب إليه عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وعبد الله بن مسعود وامرأته زينب -رضي الله عنهم-.
فإن قيل: الأظهر من أمر عمر -رضي الله عنه-: "لا يقربها" أنه أمضى شراءه لها ونهاه عن وطئها، فلا يدلُّ ذلك على فساد البيع بالشرط.
قلت: لا نسلم ذلك، ولكن معنى كلامه: تنح عنها وافسخ البيع فهو فاسد، وهكذا فُسِّر كلامه في بعض شروح "الموطأ"، ثم قال: وروي عنه نحو هذا الخبر، وأن عمر -رضي الله عنه- قال له:"ليس من مالك ما فيه مشوبة لغيرك".
وقال أبو مصعب: قال مالك: قول عمر -رضي الله عنه-: "لا تقربها وفيها شرط لأحد" يريد: لا تشترها، ليس: لا تطأها.
وقال محمد بن معاوية الحضرمي: سمعت مالكًا يقول في قول عمر -رضي الله عنه-: "لا تقربها وفيها شرط لأحد" يقول: لا تطأها، وهذا خلاف مذهب مالك عند أصحابه، والصحيح عندهم ما ذكره أبو مصعب عنه. قاله ابن زرقون في "شرح الموطأ".
وقال أبو عمر: ظاهر قوله: "اشترطت خدمتها" أن ذلك كان في نفس العقد لا تطوعًا بعد كماله، وهذا يسمى بيع الثُنْيا، وهو بيع فاسد مع النقد، وإذا كانت الثنيا غير مؤقتة مثل أن يقول: متى جئت بالثمن رددت عليك المبيع، أو: متى أردت بيعه رددته عليك بالثمن الذي أعطى بها أو بالثمن الذي اشتريتها به، فهذا كله غير جائز؛ لنهي رسول الله -عليه السلام- عن الثُنْيَا.