قال أبو جعفر -رحمه الله-: فكان هذا ناسخًا لما رويناه عن رسول الله -عليه السلام- من إجازة بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، فدخل في ذلك أيضًا استقراض الحيوان.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: الثوري والحسن بن صالح وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا وفقهاء الكوفة؛ فإنهم قالوا: لا يجوز استقراض الحيوان.
وقال أصحابنا: لا يجوز القرض إلا مما له مثل كالمكيلات والموزونات والعدديات المتقاربة، فلا يجوز قرض ما لا مثل له من المزروعات والمعدودات المتقاربة؛ لأنه لا سبيل إلى إيجاب رد العين ولا إلى إيجاب رد القيمة؛ لأنه يؤدي إلى المنازعة؛ لاختلاف القيمة باختلاف تقويم المقوّمِين، فتعيَّن أن يكون الواجب فيه رد المثل، فيختص جوازه بما له مثل، وعن هذا قال أبو حنيفة وأبو يوسف: لا يجوز القرض في الخبز لا وزنًا ولا عددًا. وقال محمد: يجوز عددًا. وقال ابن قدامة: ويجوز قرض الخبز، ورخَّص فيه أبو قلابة ومالك إذا لم يشترط أن يقضيه أفضل منه، ومنع منه أبو حنيفة.
وذكر الشريف أبو جعفر: هل يجوز بالعدد أم بالوزن؟ على روايتين.
قوله:"وقالوا: يحتمل ... " إلى آخره. جواب من جهة أهل المقالة الثانية عما احتج به أهل المقالة الأولى، حاصله أن يقال: إن حديث أبي رافع وحديث أبي هريرة كان قبل تحريم الربا، فلما حُرِّمَ الربا بقوله تعالى:{وَحَرَّمَ الرِّبَا}(١) وحرم كل قرض جرَّ منفعةً؛ ردت الأشياء المستقرضة إلى أمثالها، فلم يجز القرض بعد ذلك إلا فيما له مثل، والحيوان مما له قيمة فلم يجز الاستقراض فيه.
وأيضًا قد كان يجوز بيع الحيوان بالحيوان نسيئةً قبل تحريم الربا، فلما حرم الربا نُسخ بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، واستقراض الحيوان في المعنى: بيع الحيوان بالحيوان نسيئة.