ومنهم من يقول: لا بأس ببيع بعضها ببعض يدًا بيدٍ، ونسيئة، وسواء عنده كانت من نوع واحد أو من نوعين، فهذه أحكام الأشياء المكيلات والموزونات والمعدودات غير الحيوان على ما فسرنا، فكان غير المكيل والموزون لا بأس ببيعه بما هو من خلاف نوعه نسيئة، وان كان المبيع والمبتاع به ثيابًا كلها، وكان الحيوان لا يجوز بيع بعضه ببعض نسيئة، وإن اختلفت أجناسه، لا يجوز بيع عبد ببعير ولا ببقرة ولا بشاة نسيئة، فلو كان النهي من النبي -عليه السلام- عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة إنما كان لاتفاق النوعين؛ لجاز بيع العبد بالبقرة نسيئة؛ لأنها من غير نوعه، كلما جاز بيع الثوب الكلتان بالثوب القطن الموصوف نسيئة.
فلما بطل ذلك في نوعه وفي غير نوعه؛ ثبت أن النهي في ذلك إنما كان لعدم وجود مثله، ولأنه غير موقوف عليه، وإذا كان إنما بطل بيع بعضه ببعض نسيئة لأنه غير موقوف عليه؛ بطل قرضه أيضًا؛ لأنه غير موقوف عليه.
فهذا هو النظر في هذا الباب.
ومما يدل على ذلك أيضًا ما قد أجمعوا عليه في الاستقراض من الإماء أنه لا يجوز وهي حيوان، فاستقراض سائر الحيوان في النظر أيضًا كذلك.
ش: هذه إشارة إلى بيان منع من جهة أهل المقالة الأولى لما قاله أهل المقالة الثانية من قولهم: لمَّا نسخ جواز بيع الحيوان بالحيوان نسيئة وحل في ذلك استقراض الحيوان أيضًا، وتقرير المنع أن يقال: لا نسلِّم دخول استقراض الحيوان في انتساخ بيع الحيوان بالحيوان نسيئة؛ لأنا قد رأينا الحنطة لا يجوز بيع بعضها ببعض نسيئة ومع هذا فقرضها جائز، وكذلك الحيوان لا يجوز بيع بعضه ببعضٍ نسيئةً فقرضه جائز.
وأجاب عن ذلك بقوله: فكان من حجتنا على أهل هذه المقالة ... إلى آخره، وهو ظاهر لا يحتاج إلى مزيد بيان.
قوله:"فمنهم من يقول" أي فمن الفقهاء الذين لهم خلاف [في هذا الباب وأراد بهم: عطاء وإبراهيم النخعي وابن سيرين وعكرمة بن خالد ومحمد ابن الحنفية والثوري وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمد -رحمهم الله-.