الأول: أن ما ذكره الطحاوي وهو أنه يدل على أن السلب لم يكن واجبًا للقاتل بقتله؛ إذ لو كان واجبًا به لما منعه رسول الله -عليه السلام- عن ذلك المددي.
الثاني: فيه أن نسخ الشيء قبل الفعل جائز؛ ألا ترى أنه -عليه السلام- أمر برد السلب ثم أمر بإمساكه قبل أن يرده؟ فصار في ذلك نسخ لحكمه الأول.
الثالث: فيه دليل أن الفرس من السلب، وأن السلب لا يخمس، ألا ترى أنه أمر خالدًا برده إليه مع استكثاره إياه! قال الخطابي: وإنما كان رده إلى خالد بعد الأمر الأول بإعطائه القاتل؛ نوعًا من النكير على عوف، وردها له لئلا يتجرأ الناس على الأئمة ولا يسرعون إلى الوقيعة فيهم، وكان خالد -رضي الله عنه- مجتهدًا في صنعه ذلك؛ إذ كان قد استكثر السلب، فأمضى رسول الله -عليه السلام- اجتهاده لما رأى في ذلك من المصلحة العامة بعد أن كان خَطَّأه في رأيه الأول، والأمر الخاص بالعام واليسير من الضرر يحتمل الكثير من النفع والصلاح، فيشبه أن يكون النبي -عليه السلام- قد عوض المددي من الخمس الذي هو له، وترضى خالد بالرضح منه وتسليم الحكم له في السلب.
ص: حدثنا عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم، قال: ثنا أسد بن موسى، قال: ثنا يحيى بن زكرياء، قال: ثنا داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال:"لما كان يوم بدر قال رسول الله -عليه السلام-: من فعل كذا وكذا فله كذا وكذا، فذهب شبان الرجال وجلست الشيوخ تحت الرايات، فلما كانت القسمة جاءت الشبان يطلبون نفلهم، فقالت الشيوخ: لا تستأثروا علينا؛ فإنا كنا تحت الرايات ولو انهزمتم كنا ردءًا لكم، فأنزل الله -عز وجل-: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ. . .} فقرأ حتى بلغ: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ}(١)، يقول: أطيعوني في هذا الأمر كما رأيتم عاقبة أمري حيث خرجتم وأنتم كارهون، فقسم بينهم بالسواء".