كُلِّفا؟! ولكن قد رأى في ذلك غيرها من أصحاب رسول الله -عليه السلام- خلاف ما رأيا فلم يعنفوهما فيما حكما به من ذلك؛ إذْ كان الرأي في ذلك واسعًا والاجتهاد للناس جميعًا، فادعى أبا بكر وعمر -رضي الله عنهما- رأيهما في ذلك إلى ما رأيا وحكما، وأدى غيرهما ممن خالفهما اجتهاده في ذلك إلى ما رآه، وكلٌ مأجور في اجتهاده في ذلك مُثاب مؤدٍّ للفرض الذي عليه، ولم ينكر بعضهم على بعض قوله؛ لأن ما خالفه إليه هو الرأي، والذي قاله مخالفه هو رأي أيضًا, ولا توقيف مع أحد منهما لقوله من كتاب ولا سنة ولا إجماع.
والدليل على أن أبا بكر وعمر -رضي الله عنهما- قد كانا خولفا فيما رأيا من ذلك قول ابن عباس:"قد كنا نُرَى أنا نحن هم قرابة رسول الله -عليه السلام- فأبى ذلك علينا قومنا" فأخبر أنهم رأوا في ذلك رأيًا أباه عليهم قومهم، وأن عمر -رضي الله عنه- دعاهم إلى أن يزوج منهم أيمهم ويكسو منه عاريهم، قال:"فأبينا عليه إلا أن يُسَلِّمه لنا كله"؛ فدلَّ ذلك أنهم قد كانوا على هذا القول في خلافة عمر بعد أبي بكر -رضي الله عنهما-، وأنهم لم يكونوا نزعوا عما كانوا رأوا من ذلك لرأي أبي بكر ولا لرأي عمر، فدلَّ ما ذكرنا أن حكم ذلك كان عند أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- وعند سائر أصحاب رسول الله -عليه السلام- كحكم الأشياء التي يختلف فيها التي يسع فيها اجتهاد الرأي.
ش: قد ذكرنا أن أهل المقالة الأولى قد احتجوا لما ذهبوا إليه بحجج، منها: ما احتجُّوا به من فعل أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-.
وأجاب عن ذلك بقوله:"وأما ما احتجُّوا به من فِعل أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-" خلاصة ذلك: أن ما صدر من أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- من قسمة جميع الخُمس بعد وفاة رسول الله -عليه السلام-، وعدم رؤيتهما لقرابة رسول الله -عليه السلام- في ذلك حقًّا؛ إنما كان ذلك بطريق الاجتهاد والرأي، وهو بابٌ واسعٌ، ولكل مجتهد أن يجتهد بما يرى، وإن كان يخالف رأي غيره، وهو مثاب في اجتهاد، وإن كان في نفس الأمر مخطئًا؛ ولهذا لم ينكر عليهما أحد من الصحابة -رضي الله عنهم-، ومع هذا فكيف كان يجوز