للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبني نوفل وقد كانوا محصين معدودين، وفيمن أعطى الغني والفقير، وفيمن حرم كذلك، فثبت أن ذلك السهم كان للنبي -عليه السلام- يجعله في أي قرابته شاء، فصار بذلك حكمه حكم سهمه الذي كان يصطفيه لنفسه، فلما كان ذلك لنفسه مرتفعًا بوفاته غير واجب لأحد بعده كان هذا أيضًا مرتفعًا بوفاته، فإنه غير واجب لأحدٍ من بعده. وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد -رحمهم الله-.

ش: لما أجاب عما احتج به أهل المقالة الأولى وبيَّن سقوط ما ذهبوا إليه، أشار ها هنا أيضًا إلى سقوط ما ذهب إليه أهل المقالة الثالثة، وإثبات ما ذهب إليه أهل المقالة الثانية، وهو ما ذهب إليه أبو حنيفة وأصحابه، وهو ظاهر البيان.

قوله: "بسهم الصفي" الصفي على وزن فعيل، وهو ما كان يأخذه -عليه السلام- ويختاره لنفسه من الغنيمة، قبل القسمة ويقال له: الصفية أيضًا، ويجمع على صفايا.

قوله: "وكان الله -عز وجل- جمع كل قرابة رسول الله -عليه السلام- في قوله: {وَلِذِي الْقُرْبَى. . .} (١) " إلى آخره، تقرير ذلك: أن لفظ ذوي القربى لفظ شامل لجميع قرابة رسول الله -عليه السلام-، وليس فيه تخصيص لبعضهم دون الآخرين، ومع ذلك خصص النبي -عليه السلام- بني هاشم وبني المطلب في الإعطاء، ومنع بني أمية وبني نوفل، فدلَّ ذلك أن السهم المذكور كان مفوضًا إليه -عليه السلام- يجعله في أي قرابته شاء، وصار حكمه حكم الصفي الذي كان يختاره لنفسه، فلما ارتفع الصفي بوفاته ولم يجب لأحد من بعده كان هذا أيضًا مرتفعًا بوفاته فلا يجب لأحد من بعده.

وقال الجصاص: قوله تعالى: {وَلِذِي الْقُرْبَى} (١) لفظ مجمل مفتقر إلى البيان، وليس بعموم؛ وذلك لأن ذا القربى لا يختص بقرابة النبي -عليه السلام- دون غيره من الناس، ومعلوم أنه لم يُرِد بها أقرباء الناس، فصار اللفظ مجملاً مفتقرًا إلى البيان، وقد اتفق السلف على أنه قد أُريدَ به أقرباء النبي -عليه السلام-، منهم من قال: المستحقون


(١) سورة الأنفال، آية: [٤١].

<<  <  ج: ص:  >  >>