قال جابر في حديثه:"ثم رأيت رسول الله -عليه السلام- يبول مستقبل القبلة" فقد يحتمل أن يكون ذلك البول كان في المكان الذي لم يكن نهي رسول الله -عليه السلام- الأوَّل وقع عليه.
فلم نعلم شيئًا من هذه الآثار نسخ شيئًا منها شيء، ثم عدنا إلى حديث عراك ففيه أنه ذُكر لرسول الله -عليه السلام- أن أناسًا يكرهون استقبال القبلة بفروجهم، فقال رسول الله -عليه السلام-: "حولوا مقعدتي مستقبل القبلة". فقد يجوز أن يكون أنكر قولهم لأنهم كرهوا ذلك في جميع الأماكن فأمر بتحويل مقعدته نحو القبلة ليرد عليهم، وليعلم أنه لم يقع نهيه عن ذلك، وإنما وقع النهي عن استقبالها في مكان دون مكان.
ويحتمل أن يكون أراد بذلك نسخ النهي الأول في الأماكن كلها؛ لأن النهي كان وقع في الآثار الأُول على ذلك، فليس فيه دليل أيضًا على نسخ ولا على غيره.
فلما كان حكم هذه الآثار كذلك كان أولى بنا أن نصصحها كلها، فنجعل ما فيه النهي منها على الصحاري وما [فيه](١) الإباحة على البيوت حتى لا يتضاد منها شيء.
وقد حدثنا ابن أبي عمران، قال: ثنا إسحاق بن إسماعيل، قال: ثنا حاتم بن إسماعيل (ح).
وحدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، عن حاتم، عن عيسى بن أبي عيسى الخياط (ح).
وحدثنا إسماعيل، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، ثنا عيسى، عن الشعبي: أنه سأله عن اختلاف هذين الحديثين، فقال الشعبي: صدق والله، أما حديث أبي هريرة فعلى الصحاري "إن لِلَّهِ ملائكة يصلون، فلا تستقبلوهم، وإن حشوشكم هذه لا قبلة فيها".
فعلى هذا المعنى تحمل هذه الآثار حتى لا يتضاد منها شيء.
(١) في "الأصل، ك": "فيها"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".