وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(١) من وجه آخر: ثنا شريك، عن سالم، عن سعيد بن المسيب، عن ابن عمر:"أنه شرب من قربة وهو قائم".
ص: وقد روي عن رسول الله -عليه السلام- أنه نهى أن يشرب مِنْ في السقاء.
حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:"نهى رسول الله -عليه السلام- عن الشرب من فِي السقاء".
حدثنا محمَّد بن خزيمة، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد، عن أيوب، عن عكرمة، عن أبي هريرة، عن رسول الله -عليه السلام- مثله.
فلم يكن هذا النهي من رسول الله -عليه السلام- على تحريم ذلك على أمته حتى يكون مَنْ فعله منهم عاصيًا له، ولكن المعنى قد اختلف فيه، ما هو؟
فحدثنا محمَّد بن خزيمة، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد، عن هشام بن عروة، عن أبيه:"أن رسول الله -عليه السلام- نهى عن الشرب من في السقاء؛ لأنه ينتن"، فهذا معناه.
وقد روي في ذلك معنى آخر، وهو ما حدثنا محمَّد بن خزيمة، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد، عن ليث، عن مجاهد قال:"كان يكره الشرب من ثلمة القدح، وعروة الكوز، وقال: هما مقعدا الشيطان".
فلم يكن هذا النهي من رسول الله -عليه السلام- على طريق التحريم بل على طريق الاشفاق منه على أمته والرأفة بهم والنظر لهم، وقد قال قوم: إنما نهى عن ذلك لأنه الموضع الذي يقصده الهوام، فنهى عن ذلك خوف أذاها، فكذلك ما ذكرنا عنه في صدر هذا الباب من نهيه عن الشرب قائما ليس على التحريم الذي يكون فاعله عاصيًا, ولكن للمعنى الذي ذكرناه في ذلك، وقد روينا عن رسول الله -عليه السلام- فيما تقدم من هذا الباب:"أنه أتى بيت أم سليم فشرب من قربة وهو قائم من فيها". فدل ذلك على أن نهيه الذي روي عنه في ذلك ليس على النهي الذي يجب على منتهكه