للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال قائل: فقد دل هذا الحديث على تحريم الرجوع في الهبة من الرجل لغير ولده.

قيل له: ما دل ذلك على شيء مما ذكرت، فقد يجوز أن يكون النبي -عليه السلام- وصف ذلك الرجوع بأنه لا يحل لتغليظه إياه؛ لكراهية أن يكون أحدٌ من أمته له مثل السوء، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تحل الصدقة لذي مرة سوي" فلم يكن ذلك على معنى أنها تحرم عليه كما تحرم على الأغنياء، ولكنها لا تحل له من حيث تحل لغيره من ذوي الحاجة والزمانة، فكذلك ما ذكرنا من قول رسول الله -عليه السلام- أيضًا: "لا يحل لواهب أن يرجع في هبته" إنما هو على أنه لا يحل له ذلك كما تحل له الأشياء التي قد أحلها الله -عز وجل- لعباده، ولم يجعل لمن فعل مثلًا كمثل الذي جعله رسول الله -عليه السلام- للعائد في هبته، وقد دخل في ذلك العود فيها بالرجوع والابتياع، ثم استثنى من ذلك ما وهب الوالد لولده.

فذلك عندنا -والله أعلم- على إباحته للوالد أن يأخذ ما وهب لابنه في وقت حاجته إلى ذلك وفقره إليه؛ لأن ما يجب للوالد من ذلك ليس بفعل يفعله فيكون ذلك رجوعًا منه، يكون مَثَلُه فيه كمثل الكلب الراجع في قيئه، ولكنه شيء أوجبه الله لفقره، فلم يضيق ذلك عنه كما قد روي عن رسول الله -عليه السلام- في غير هذا الحديث.

حدثنا يونس، قال: ثنا علي بن معبد، قال: ثنا عبيد الله بن [عمر] (١)، عن عبد الكريم بن مالك، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: "أن رجلًا أتى رسول الله -عليه السلام- فقال: يا رسول الله، إنى أعطيت أمي حديقة، وإنها ماتت ولم تترك وارثًا غيري، فقال رسول الله -عليه السلام-: وجبت صدقتك ورجعت إليك حديقتك".

أفلا ترى أن رسول الله -عليه السلام- قد أباح للمتصدق صدقته لما رجعت إليه بالميراث، ومنع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - من ابتياع صدقته، فثبت بهذين الحديثين إباحة


(١) في "الأصل": "عَمرو"، وهو تحريف، والصواب: "عمر" كما في مصادر ترجمته، و"شرح معاني الآثار"، وجاء في الشرح على الصواب.

<<  <  ج: ص:  >  >>