للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقول ابن حزم (١): "نزول أمر الوضوء كان بالمدينة"، يرده ما ذكره الطبراني في "الكبير" (٢) والدارقطني (٣) "أن جبريل - عليه السلام - نزل على رسول الله - عليه السلام - بأعلى مكة، فهمز له بعقبه، فأنبع الماء، وعلمه الوضوء".

وقال السهيلي: الوضوء مكي، ولكنه مدني التلاوة، وإنما قالت عائشة - رضي الله عنها -: "آية التيمم"، ولم تقل "الوضوء"؛ لأن الوضوء كان مفروضا قبل، غير أنه لم يكن قرآنا يُتْلى حتى نزلت آية التيمم.

وقال أبو بكر الرازي في "أحكام القرآن": يستدل بقوله تعالى: {قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} (٤) الآية على جواز الوضوء بنبيذ التمر من وجهين.

أحدهما: قوله تعالى: {وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} عموم في جميع المائعات؛ لأنه يسمى غاسلا بها، إلا ما قام الدليل فيه، ونبيذ التمر مما قد شمله العموم.

الثاني: قوله: {تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا} (٥) فإنما أباح التيمم عند عدم كل جزء من الماء؛ لأنه لفظ مُنَكَّرٌ يتناول كل جزء منه، سواء كان مخالطا بغيره، أو منفردا بنفسه، ولا يمتنع أحد أن يقول في نبيذ التمر: ماء، فلما كان كذلك وجب ألَّا يجوز التيمم مع وجوده، بالظاهر.

ويدل على ذلك أن النبي - عليه السلام - توضأ بمكة قبل نزول الآية في التيمم، وقبل أن نُقِلَ من الماء إلى بدل، فدل على أنه توضأ به، على أنه بقي حكم الماء الذي فيه، لا على وجه البدل عن الماء؛ إذ قد توضأ به في وقت كانت الطهارة مقصورة على الماء بدون غيره، والله أعلم.


(١) سبق تخريجه.
(٢) "المعجم الكبير" (٥/ ٨٥ رقم ٤٦٥٧) بنحوه من حديث أسامة بن زيد، عن أبيه.
(٣) سنن الدراقطني (١/ ١١١ رقم ١، ٢) بنحوه أيضًا مثل رواية الطبراني.
(٤) سورة المائدة، آية: [٦].
(٥) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>