قال: فلما ذاقه قطب، فقال: إن لنبيذ زبيب الطائف لعرامًا، ثم دعى بماءً فصبه عليه وشرب، وقال: إذا اشتد عليكم فصبوا عليه الماء واشربوا".
قوله: "فقطب" من قطب وجهه تقطيبًا: إذا عبس.
قوله: "له عُرام" بضم العين المهملة، أي: شدة وقوة.
فإن قلت: قال ابن حزم: هذا لا حجة لهم فيه؛ لأنه ليس فيه أن ذلك النبيذ كان مسكرًا، ولا أنه كان قد اشتد، وإنما فيه إخبار عمر - رضي الله عنه - بأن نبيذ الطائف له عُرام وشدة، وأنه كسر هذا بالماء ثم شربه، فالأظهر فيه: أن عمر - رضي الله عنه - خشي أن يعرم ويشتد فتعجل كسره بالماء، وهذا موافق لقوله لا لقولهم أصلًا.
وقال أبو جعفر النحاس في هذا الحديث: هذا لعمري إسناد مستقيم ولا حجة لهم فيه، بل الحجة عليهم؛ لأنه إنما يقال: قطب لشدة حموضة الشيء، ومعنى قطب في كلام العرب: خالطت بياضه حمرة، مشتق من قطبت الشيء أقطبه: إذا خلطته.
قلت: كلام ابن حزم صادر عن غير روية وهو فاسد؛ لأن قوله: لأنه ليس فيه أن ذلك النبيذ كان مسكرًا تعليل فاسد؛ لأنا ما ادعينا أن ذلك النبيذ كان مسكرًا، ولا أحد يقول بذلك، ولا يجوز لأحد أيضًا أن ينسب عمر - رضي الله عنه - إلى شرب النبيذ المسكر، وإنما قلنا: إنه روي عنه إباحة القليل من النبيذ المشتد.
وقوله: ولا أنه كان مشتدًا. يُبطله قول عمر - رضي الله عنه -: "إن نبيذ الطائف له عُرام" أي شدة وقوة، وأيضًا لو لم يكن مشتدًا لما قطب عمر - رضي الله عنه -، ولا دعى بماء فصب عليه.
وقول النحاس يرده أيضًا ما في رواية ابن أبي شيبة، وهو قوله: "فلما ذاقه قطب" أي عبس وجهه لشدته، ولهذا طلب الماء فصب عليه حتى انكسرت شدته ثم شرب.