فالحاصل أن "قطب" هاهنا بمعنى عبس وجهه لشدته؛ بقرينة طلب الماء لكسر شدته، وبقرينة قوله:"إن نبيذ الطائف له عُرام" وإن كان قطب أيضًا تجيء بمعنى مزج، يقال: قطب الشراب وأقطبه: إذا مزجه.
فإن قيل: ذكر الأثرم في كتاب "الناسخ": أن عبد الله بن عمر العمري فسر "قطب" بمعنى كسره بالماء من شدة حلاوته.
قال: وكذلك قال الأوزاعي، قال: وأهل العلم أولى بالتفسير.
قلت: تفسير قطب بالمعنى المذكور لا يُنكر، ولكنه هاهنا لا يمشي هذا التفسير، لأن قول عمر - رضي الله عنه -: "إن نبيذ الطائف له عُرام" يستدعي كون ذلك النبيذ شديدًا في الحموضة، وهذا ينافي ما ذكره الأثرم؛ فافهم.
الطريق الثاني: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن زهير بن معاوية بن خديج الكوفي، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، عن عمرو بن ميمون الأودي الكوفي.
وهذا أيضًا إسناد صحيح، ورجاله ثقات أثبات.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(١): عن أبي الأحوص، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، نحوه.
فإن قيل: قال أبو جعفر النحاس: هذا الحديث لا تقوم به حجة؛ لأن أبا إسحاق لم يقل: حدثنا عمرو، وهو مدلس، فلا تقوم بحديثه حجة حتى يقول: حدثنا، وما أشبهه.
قلت: يرد هذا قول ابن حزم: هذا خبر صحيح. مع شدة قيامه في دفع ما ذهب إليه أهل المقالة الثانية الذين احتجوا بهذا الحديث وأمثاله، وأيضًا فرجاله ثقات، وعدالتهم والاتصال فيما بينهم معروفة، فلا يُرد الخبر بما ذكره النحاس.