قلت: لما أخبره عمار عن النبي - عليه السلام - أن التيمم يكفيه، سكت عنه ولم ينهه، فلما لم ينهه علمنا أنه وقع في قلبه تصديق عمار؛ لأن عمارا قال له:"إن شئت لم أذكره" ولو وقع بقلبه تكذيب عمار لنهاه؛ لما كان الله -عز وجل- قد جعل في قلبه من تعظيم حرمات الله، ولا شيء أعظم من الصلاة، وغير متوهم على عمر أن يَسْكت على صلاة تصلى عنده من غير طهارة، وهو الخليفة المسئول عن الأمور، وكان أتقى الناس لربه وأنصحهم له في دينه في ذلك الوقت.
الرابع: فيه جواز الاجتهاد في زمن النبي - عليه السلام - فإن عمارا - رضي الله عنه - اجتهد في صفة التيمم، وقد اختلف أهل الأصول فيه، وقد ذكرناه مستوفي.
الخامس: في قوله: "إلى نصف الذراع"، في رواية أبي داود، حجة لمالك، حيث يقول: إن التيمم إلى الكوعين. والجواب عنه ما ذكرناه في الوجه الأول.
ص: حدثنا أبو بكرة، قال: أنامبو داود، قال: نا زائدة وشعبة، عن حصين عن أبى مالك، عن عمار، أنه قال:"إلى المفصل" ولم يرفعه.
ش: هذا طريق أخر، وهو موقوف، عن أبي بكرة بكَّار القاضي، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن زائدة بن قدامة، وعن شعبة بن الحجاج، كلاهما عن حُصَيْن -بضم الحاء- بن عبد الرحمن السُلَمي الكوفي، عن أبي مالك، حَبيب بن صُهْبان، عن عمار بن ياسر - رضي الله عنه - أنه قال:"إلى المفصل"، يعني في قوله:"بالوجه والكفين".
قوله:"ولم يرفعه" أي: الحديث إلى النبي - عليه السلام -.
وقال الدارقطني: لم يروه عن حصين مرفوعا غير إبراهيم بن طهمان، وأوقفه شعبة وزائدة وغيرهما.
وأخرجه البيهقي (١): من حديث حصين، عن أبي مالك، قال:"سمعت عمارا يخطب، فذكر التيمم، فضرب بكفيه الأرض، فمسح بهما وجهه وكفيه" ورواه إبراهيم بن طهمان، عن حصين فرفعه.