أن نفي الريب بالكلية عبارة عن نفي كونه محلا للريب، وإنما وقع الريب لعدم التأمل، والنظر فيه، كما هو حقه، وهذا حكم صحيح ينكره كثير من الأشقياء، حقه التأكيد لإزالة إنكارهم، إلا أنه جعل إنكارهم لهذا الحكم كلا إنكار، فلذا ترك التأكيد.
وعن الثاني بأن ما سيجيء أنه بمنزلة التأكيد المعنوي، والتأكيد المعنوي لا يدفع إلا التجوز، ويدفع التجوز لا يتأكد الحكم بحيث يزول به إنكار المنكر، وإنما هو شأن التأكيد اللفظي- أعني تكرير اللفظ الأول وما هو بمنزلته- فلا يتجه على المصنف، نعم يتجه لو كان الأمر كما ذكره الشيخ أنه بمنزلة أن يقول ذلِكَ الْكِتابُ ذلك فيعيده مرة ثانية.
هذا ولا يخفى أنه لا يندفع بما ذكره ما أثبتناه من تأكيد (لا) للنفي مع زيادة أنه إذا كان نفي الجنس كناية عن نفي كونه محلا للريب كان في النفي مزيد تأكيد ومبالغة يفيده سلوك طريق الكناية، وأنه مع كون المقصود تنزيل وجود الريب منزلة عدمه لا يجب أن يكون نظيرا لا مثالا لما نحن فيه.
فإن كون وجود الريب بمنزلة العدم ينكر كثير من الأشقياء فيجب التوكيد، وتركه لتنزيل المنكر منزلة غيره، وأن التأكيد اللفظي أيضا يكون لدفع التجوز، فيجوز أن يكون مراد الشيخ أن قوله: لا رَيْبَ فِيهِ بمنزلة التكرير في دفع توهم التجوز لا في تكرير الحكم، وتقويته، فيوافقه كلام المصنف.
(وهكذا اعتبارات النفي) لما لم يكن في البيان السابق ما يوجب تخصيصه بالإثبات؛ بل كان مستوى النسبة بالإثبات والنفي اتجه أن قوله هذا تطويل، فللإشارة إلى دفعه قال الشارح المحقق: ولما كانت الأمثلة المذكورة للاعتبارات السابقة من قبيل الإثبات سوى قوله: لا رَيْبَ فِيهِ إشارة إلى التعميم دفعا لتوهم التخصيص.
وقال السيد السند: إن هذا القول يقتضي أن يكون لا رَيْبَ فِيهِ تنظيرا حتى يكون لتوهم التخصيص مسلك واضح، هذا والأظهر أن هكذا إشارة إلى أمثلة الإثبات يعني كأمثلة الإثبات أمثلة النفي، فمن أحاط بها سهل عليه استخراج أمثلة النفي، وهذا أوفق بعبارة الإيضاح حيث قال: هذا كله